محرومون من التعليم.. كيف زادت نسبة الأمية في مصر؟
لا ينكر أحد أن مصر تعاني من الأمية منذ سنوات طويلة، وبالرغم من جهود الدولة في محاربة ذلك المرض أو حتى التقليل منه إلا أن الأرقام والمشاهد تدل على تفاقم الأزمة بشكل كبير وزيادة أعداد الأميين كذلك.
وتتعدد الأسباب التي تقف خلف زيادة نسبة الأمية، بالرغم من المشاريع التي تطلقها الحكومة كل فترة من أجل الحد منها مثل مبادرة الجامعات التي يتم فيها محو أمية عدد كبير من المواطنين.
واتساقًا مع ذلك فقد أكد الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، أنه تم تصنيف البلدان الأكثر أمية إلى 9 دول مضيفًا: "ولا يصح أن تكون مصر من بينها، ولا يوجد حماس من الأشخاص الأميين لمحو أميتهم".
وأضاف: "كما أن هناك ظواهر كثيرة تخص الأمية لابد من دراستها ويجب إحياء الرغبة لدى الناس لمحو أميتهم، نعمل على إعداد إستراتيجية يتم تنفيذها من خلال خطة تكون قادرة على القضاء على مشكلة الأمية أو تقليل أعدادهم".
وشدد على أن الرئيس عبدالفتاح السيسى مهتم بالقضاء على الأمية، ولذلك تم إطلاق مبادرة للقضاء عليها، وأن الوزارة تعمل على تغيير نظام التعليم ليبدأ بمرحلة الطفولة لبناء الهوية والوطنية وأنه يتم تأسيس هذا النظام حاليا لإطلاقه فى سبتمبر المقبل.
وتكمن الأزمة في أن أبناء الأميين يظلون على نفس الحال والشاكلة بسبب الوصم المجتمعي الدائم، ولذلك ترصد "الدستور" في التقرير التالي حكايات خاصة لأبناء أميين تم رفض التحاقهم بمدارس بسبب أن أبائهم وأمهاتهم أميين.
عام ونصف، طافت فيه، ندى غنام، على عدد من المدارس ما بين الحكومية والتجريبي والخاص، لتجد مقعد لابنتها البالغة 6 أعوام وخمسة أشهر، في أحد المدارس، إلا إنها لم تجد، لكونها وزوجها لا يحملان مؤهلًا تعليميًا؛ بسبب ظروفهما المادية السيئة منذ سنوات والتي حالت دون تكميل تعليمهم.
"أنا بقالي سنة في الموال ده، حاسة أن بنتي هتضيع عليها السنة، بسبب أن أمها مكملتش تعليم، هي ذنبها أية؟"، تؤكد أن جميع المدارس لا تقبل إلا بأب وأم ذوي مؤهلات: "روحت أكتر من مدرسة لكن الجميع رفض بسبب تعليمي رغم إني وعدتهم أمضي كل الإقرارات المطلوبة".
أضافت: "روحت مدارس كتير بس كلهم رفضوا عشان المؤهل، فيه ناس لجأت أنهم يتنازلوا عن مسؤولية ولادهم بإقرار رسمي لأي حد في العيلة زي خاله مثلا أو عمه، عشان المدرسة تقبل لكن أنا مرضتش يعني يا بنتي تتعلم يا اتنازل عنها".
الأمر كان أصعب لدى "نجوى"، 30 عامًا، والتي عرضت عليها بعض المدارس التي طرقت بابها للتقديم ابنتها "منى" دفع نوعًا من الرشوة لقبولها والتغاضي عن شرط المؤهل، فهي لم تُكمل تعليمها وخرجت من التعليم في المرحلة الإعدادية؛ بسبب ظروف والديها المادية، والتي دفعتها للخروج والعمل بجانب أبيها وأخيها، مما حرمها من التعليم في الصغر.
تقول: "مش ذنبي إني معرفتش أكمل تعليمي، لأني ظروف أهلي المادية مكنتش كويسة، لكن ذنبها أية بنتي إنها متتعلمش لمجرد أن أبوها وأمها مش متعلمين، إحنا كدة بنزود أعداد الأميين مش بنقللهم والشروط دي تعسفية وظالمة".
ليس ذلك فحسب، بل كشفت "نجوى" عن أن بعض المدارس التي حاولت التقديم فيها، عرضت عليهم دفع مبلغ أزيد من المصاريف المنصوص عليها في أوراق التقديم، تضيف: "المصاريف كانت من 8 لـ 10 ألف في المدارس لكن طلبوا مننا خمسة ألاف أو ألفين زيادة عشان يلغوا الشرط ده".
لم يختلف الأمر لدى "غادة عماد" 26 عامًا، والتي حاولت التقديم في الكثير من المدارس ولكن أولى شروطها هو وجود مؤهل عالي لوالدي الطالب المتقدم، والبعض الآخر كان يشترط أن يكون لدى الوالدين مستوى لغوى جيد، بمعنى أنهما يتحدثان اللغة الإنجليزية والفرنسية.
"دي شروط مستحيل توفرها، إحنا نسبة الأمية على أيامنا كانت عالية، والتعليم مكنش مهم زي دلوقت"، غادة توضح أنها ذهبت أيضًا إلى مدرسة آخرى والتي طالبتها بإن تتنازل عن مسؤوليته لأي أحد من أفراد العائلة، سواء عائلة زوجها أو عائلتها، يكون حاملًا لمؤهل عادي ومستوى لغوي جيد، ولا يكون للأب أو الأم أي علاقة به ولا يتدخلا نهائيًا في شؤونه الخاصة بالمدرسة.
غادة رفضت ذلك العرض الذي قدمته المدرسة لها: "أتنازل عن مسؤولية ابني إزاي، بيقولوا كلام مش منطقي، ولو حصله حاجة اللي اتنازلته ده حتى لو من العيلة مش هينفعه زي أمه وأبوه، وموضوع المؤهل ده مش قانوني لأن الدستور بيدي حق لكل مواطن أنه يتعلم ومفيش شروط بتقول أبوه ولا أمه".