سمير غانم.. وداعًا فيلسوف العبث
أجمل ما في سمير غانم أنه ليس عميقًا ولم يُدع يومًا أنه عميق، هو رجل عابث، يحب الحياة، ويراها مسرحًا كبيرًا للسخرية.. سمير الجميل مسعودي في المتزوجون.. اللاهي.. غير الجاد.. وغير المهتم الذي يضحكك دون أن يقصد لأنه أساسًا غير مهتم بك ولا بأي شىء آخر.. هو طيب ليس مصابًا بأي أمراض نفسية ولا بالعقد التي يعاني منها النجوم.. إنه لا يعيش مأسأة داخلية مثل معظم نجوم الكوميديا.. إنه ليس مكتئبًا مثل روبين وليامز ورأسه ليست مليئة بالحسابات مثل عادل إمام، ولا هو سيئ الحظ مثل الريحاني، ولم يُدع أنه صاحب رسالة مثل محمد صبحي هو فقط يحيا ليضحك، ويسخر من نفسه ومن الآخرين.. إنه يتأمل كل تلك المفارقات ويضحك عليها، وهو مثقف بكل تأكيد لكنه يخفي ذلك.. لو لم يكن مثقفًا لما رصد كل هذه المفارقات في الشخصية المصرية والتي أطلقها كلها في المتزوجون.. لما سخر من المثقف المدعي الذي قرأ مجلة (علمني العوم يا أحمد).. ولما أطلق مئات الإيفيهات الساخرة التي حفرت مكانها في ذاكرة الانبساط لدي المصريين، إنه عبثي تمامًا حتي في علاقته بفنه. لقد أطلق إيفيهات كوميدية رائعة في أفلام الثمانينيات التي عرفت باسم أفلام المقاولات.. كان يدخل الفيلم دون أن يقرا السيناريو (لم يكن هناك سيناريو غالبًا) كان يقف أمام الكاميرا ليرتجل بلا نهاية حتي يقول له المخرج (ستوب).. موهبة فياضة مثل نهر جارف.. تتبدد في الصحراء.. لو كان أكثر تخطيطًا.. لو كان أكثر وعيًا أو كان أكثر قدرة على أن يقول لا، وعلى أن يختار أعماله لكان في مكانة أخري في عالم الكوميديا المصرية لكنه وقتها لن يكون سمير غانم الذي نعرفه، ونحبه كما هو.. محبة كبيرة لسمير غانم.. المرتجل.. اللاهي.. العابث.. خفيف الظل.. الحبوب.. طبت حيًا وميتًا يا سمير.