لا للصحوة نعم للإفاقة
لقد هرمنا ونحن في انتظار تلك اللحظة، لقد جزع كثيرون وظنوا إن تلك اللحظة غير آتية وأنها قد ولت وإلى غير رجعة، وخرج آخرون من أديان الله أفواجًا.
بعد أن صار لرجال الدين سلطانًا وسوطًا يسلطوه على رقاب البشر وأدعوا إن لحومهم مسمومة في حين أن السم كان يُدس بين جنبات كل حرف يتفوهون به طوال ٤٠ عامًا من التقهقر والردة التي أسموها بـ"الصحوة الإسلامية" وها هم يعتذرون عنها اليوم لتحل محلها "الإفاقة"، فقد خربت تلك الصحوة المدعاة عقول وأفئدة وسالت دماء بريئة بفعل فتاوى الدم وسيتحمل كل هؤلاء حتمًا وزر فتاويهم بل أوزارها في الدنيا وفي الآخرة.
فبعد أن ظننا أننا سنعيش وللأبد في تلك الظلمة الحالكة بإسم الصحوة، ها هو العاهل السعودي يأمر اليوم بإنشاء مؤسسة لتصحيح الأحاديث النبوية، ويصرح ويوصي ولي العهد السعودي بعدم تأليه رجال الدين فهم مجرد بشر ولا يجوز أو يصح لهم أن يحكموا فيما يحكم فيه الإله وحدة لا شركاء ولا نواب له فيدخلوا الناس إلى الجنة وإلى النار كما عمدوا وفعلوا طوال ٤٠ عامًا بل وأسقط ولي العهد السعودي التشريع بأحاديث الآحاد التي عانينا من ويلاتها وفُرض الحجاب على نساء الإسلام بسبب حديث آحاد وهكذا يكون ولي العهد قد أحدث - وبلا جدال - ثورة تصحيح حقيقية لأوضاع أودت ببلاده ودول الجوار إلى ظلمة وانتكاسة مازلنا نتجرع مرارتها وآن أوان التخلص منها.
لقد كنت دومًا على يقين ولم ينتابني أي شك أو يأس في أن كل آتٍ قريب وتحدثت عن استحالة المضي في طريق الظلام هذا للنهاية أو لأبد الآبدين وإن القادم تقدمي علماني لا محالة فتلك هي سنن التطور وقانون السيرورة، وبدلاً من رياح التصحر التي هبت على بلاد النيل، فنشرت الظلمة ونبت وترعرع في وادينا الخصيب قتلة ومتطرفون وسلفيون أصوليون أناركيون.
ها هي رياح الإفاقة تهب علينا فنسمع بآذاننا ما هرمنا وتقنا سنين لسماعه وصرح للإذاعة المصرية رأس المؤسسة الدينية في مصر بتصريحات تصحيحية تقدمية شديدة الاستنارة وكأننا نستمع لخطبة للحبيب بورقيبة أو كمال أتاتورك أو كأن سعد الدين الهلالي وآمنة نصير وزينب رضوان أو عبدالمعطي بيومي رحمهما الله هم من يتحدثون اليوم لا فضيلته.
لقد هرمنا حقًا حتى سمعنا ما قيل ورد للدين وضعيته الصحيحة وصار الآن في مكانه الصحيح ألا وهو قلب الإنسان وسلوكه لا كرسي الحكم.
وسكت للأبد ولن نسمعه ينطق مرة أخرى من قال أن الأحاديث تنسخ القرآن! ولن نسمع مرة أخرى بأن داعش أهل قبلة ولن نسمع مرة أخرى بأن البخاري هو ثلاثة أرباع الدين، أو أنه أصح كتاب بعد كتاب الله، بل واختفى غالبية دعاة الفضائيات ونأمل ابتعاد من بقى منهم ووقف جميع القنوات الدينية الدعوية والتبشيرية، أما من ظن أن أمامنا دهرًا لنستفيق ها هو يسمع اليوم بآذانه ما حلم به أو ربما أكثر مما حلم به.
ما كنا نخاف مجرد الحلم به ها هو يتحقق أمام أعيننا، وما طالب به الرئيس السيسي منذ سنوات سيتحقق الآن، التجديد والتصحيح وتنقية التراث من الشوائب هو عنوان المشهد والنزاع حول الطلاق الشفهي لن يكون له وجود، فللحاكم مطلق الحق في إقرار ما يصلح أمر مواطنيه دون أن يزايد عليه أحد ودون تدخل من رجال الدين في إدارة شئون البلاد والمواطنين فالدولة والقانون هو الملزم للجميع وعلى قدم المساواة، وطالما أن الزواج الشفهي غير مقبول لدى المشايخ فالطلاق الشفهي لا يمكن أن يكون مقبولاً أيضًا.
فالكيل بمكيالين والتعامل مع الشأن الديني والفتوى بأهواء أو لمآرب قد انتهى وللأبد، وبمرور الوقت - وقت ليس بالطويل - لن يجرؤ مواطن على رمي سيدة من الدور السادس، ولن يجرؤ متحرش على مفاخدة صغيرة أو الحديث عن إرضاع الكبير أو نكاح الوداع أو نكاح الجهاد، إنها الإفاقة وثورة التصحيح التي هدمت أكذوبة الصحوة الإسلامية وإلى غير رجعة.