وائل لطفي يكتب: نبلاء وعملاء في ميدان التحرير
بمناسبة الجدل الذى أثاره مسلسل «هجمة مرتدة»، والذى يؤرخ للسنوات القليلة التى سبقت يناير ٢٠١١.. فالملاحظة الأساسية على المسلسل أنه يطرح الجانب الخفى أو المسكوت عنه، أو الرواية التى لم تُذكر من قبل، لذلك فمن الطبيعى أن يكون المسلسل صادمًا للبعض.. أو مخالفًا لفكرتهم عن أنفسهم.. أو عن الحدث الذى شاركوا فيه.. والحقيقة التى لا يمكن أن نهرب منها أنه لا يوجد جسد واحد لـ«ثورة» يناير.. ولا يوجد شخص واحد يحق له أن يتحدث باسمها.. لقد كان ما حدث فى ٢٥ يناير حدثًا فضفاضًا واسعًا.. بدأ بشىء وانتهى إلى شىء آخر.. بدأ بدعوة ذات شعارات عامة من عناصر مدنية وانتهى حدثًا إخوانيًا تديره قبضة إخوانية ترتدى قفازًا حريريًا اسمه «نشطاء الثورة».. لقد كان هناك من شارك لأنه يريد بلدًا أفضل ويتخيل أن إسقاط الدولة سيحقق ذلك.. وكان هناك من يعترض على التوريث.. وكان هناك من يرى ضرورة إنهاء حكم مبارك والبدء فى مرحلة جديدة من داخل الدولة الوطنية نفسها وبمؤسساتها.. وكان هناك حالمون بأى تغيير وبأى ثورة.. يظنون أن «الثورة» أمر مطلوب لذاته وبذاته وأنها خير مطلق بغض النظر عن أى عواقب قد تترتب عليها.
وإلى جانب كل هؤلاء «النبلاء» كان هناك «عملاء».. نعم عملاء.. والحقيقة أن «العميل»، أى «عميل»، لا يحمل بطاقة شخصية مكتوبًا فيها أنه عميل للدولة الفلانية ولا لجهاز المخابرات العلانى.. ولكنه يعمل خلف «ساتر»، هذا الساتر قد يكون حركة من الحركات التى طفت فوق سطح الحياة المصرية بعد ٢٠٠٥، وقد يكون حزبًا من تلك الأحزاب الممولة التى طفت على سطح الحياة واختفت بعد ذلك.. قد يكون سياسيًا انتهازيًا يقدم نفسه للغرب على أنه زعيم لثورة «برتقالية» تسقط الدولة على نمط ما حدث فى أوروبا الشرقية بداية التسعينيات.. قد يكون عميلًا وهو يدرى.. أو حتى وهو لا يدرى.. قد يكون ستاره هو العمل فى منظمة سياسية أجنبية فتحت فرعًا لها فى مصر «وهى بالتأكيد ليست ذات أهداف خيرية» وقد يكون ناشطًا تمتلئ رأسه بأفكار التغيير السلمى.. قد يكون مقتنعًا بذلك.. أو غير مقتنع.. ولكنه فى النهاية عميل.. ينفذ إرادة الآخرين وأهدافهم، ويعمل لمصلحتهم.. فهل يضمن من يتحدث باسم الثورة أن أحدًا من عشرات الآلاف فى الميدان لم يكن كذلك؟.. هل يضمن أن الجميع كانوا أنقياء أبرارًا مخلصين؟ هل رصد الجميع واطلع على نوايا الجميع؟ هل تحقق من سرائر الجميع؟.. ثم إذا كانت المقدمات تؤدى إلى النتائج.. ألا تدلنا النتائج أيضًا على حقيقة المقدمات؟.. ألا يدلنا ما حدث فى سوريا وليبيا واليمن على حقيقة ما حدث وما كان يمكن أن يحدث لدينا؟.. ألم تبدأ هذه الثورات بشعارات نقية.. وطنية.. عاطفية.. وانتهت ببلدانها خرابًا وهشيمًا تذروه الرياح؟.. هل كان ذلك صدفة؟؟ وهل تكررت الصدفة فى كل البلاد التى تشكل خطرًا على بلد بعينه، وعلى مصالح بعينها؟.. وهل «القومى العربى» مستريح تمامًا إزاء ما حدث فى العراق «٢٠٠٣» وتكرر فى سوريا وليبيا واليمن؟.. نعم فى يناير كان هناك نبلاء ولكن كان هناك أيضًا عملاء.. ركبوا الحدث وسلموه للإخوان ونخروا فى أساسات الدولة وسلموا الناس الفوضى وعملوا خدمًا للإخوان.. وإن حاولوا أن يتبرأوا منهم بعد ذلك.. وهى حقيقة لم ينكرها مسلسل «هجمة مرتدة» نفسه، حيث رسم المؤلف شخصية «منار العربى» شقيقة البطل.. وهى فتاة نقية حالمة تدفعها مشاعرها الوطنية للمشاركة فى أحداث يناير.. وهى نموذج رأيته وعرفته واحترمته.. تمامًا كما عرفت عملاء ومرتزقة كوّنوا المليارات من الاتجار بشعارات الثورة.. ولكن هذا حديث آخر.