العائدون من أفغانستان على طريق «القاهرة: كابول»
يشتبك مسلسلا «الاختيار ٢» و«هجمة مرتدة» مع تفاصيل المؤامرة التى سعت للإيقاع بمصر، لكن سؤالًا يطرح نفسه على المُشاهد عن مسلسل «القاهرة: كابول»، لماذا نهتم بعرض مسلسل عن جهادى يعيش فى جبال أفغانستان؟
والإجابة عن السؤال نكتشفها عندما ندرك أن خيوط المؤامرة على مصر بدأت قبل مائة عام للإيقاع بها، مع تأسيس تنظيم الإخوان الإرهابى، فى العشرينيات من القرن الماضى، وأجنحته المتشعبة، فى العديد من الدول العربية والأوروبية.
بالتالى، تؤكد أحداث «القاهرة: كابول» خطورة ما كان يُخطط لمصر، الذى كان من أجزائه على أرض الواقع قضية شهيرة عرفت إعلاميًا باسم «العائدون من أفغانستان»، والمفرج عنهم فى حكم الإخوان بلا أسباب منطقية سوى أنهم شركاؤهم فى الدم!
أبرز العائدين من أفغانستان: «محمد شوقى الإسلامبولى وعثمان خالد إبراهيم، ومصطفى حمزة ورفاعى أحمد طه»، وكانوا منضمين للجماعة الإسلامية فى أسيوط، وصدر بحقهم حكم غيابى عام ١٩٩٢، وأعيدت محاكمتهم بعد قبول الطعن المقدم منهم عام ٢٠١١.
وحدثت وقتها كارثة العفو الرئاسى الذى أصدره محمد مرسى بحقهم وجرى إخلاء سبيلهم، تحديدًا مصطفى حمزة، مسئول الجناح المسلح فى الجماعة الإسلامية حتى قبل هجرته إلى أفغانستان، فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى، وهناك كان مسئولًا عن المعسكر التابع للجماعة الإسلامية.
الباحث المتخصص فى شئون الجماعات الإسلامية «منير أديب» يشير إلى أن عبود الزمر كان مسئولًا عن ملف المسجونين من أعضاء الجماعات الإسلامية، وحدث أن التقى بصحبة عصام دربالة «محمد مرسى» فى قصر الرئاسة مرتين، ومارس ضغطًا عليه للإفراج عن المسجونين الخطرين الذين كان من الصعب إخراجهم من السجون قبل حكم الإخوان لبقائهم على أفكارهم المتطرفة.
ويؤكد منير أديب، فى تصريحات صحفية، أنه تواصل داخل السجن مع مصطفى حمزة، مسئول الجناح العسكرى للجماعة الإسلامية ومخطط محاولة اغتيال الرئيس المصرى الراحل محمد حسنى مبارك فى أديس أبابا، مضيفًا: «سمعت من حمزة نصًا أنهم كانوا يبحثون عن شكل قانونى يسمح بخروجه، علمًا بأنه كان ضد مراجعات العنف التى قدمتها الجماعات الإسلامية، وحدث فى إحدى المرات أن سأله القاضى قبل السماح بإخراجه: هل ندمت على عمليات القتل التى شاركت فيها؟، فرد حمزة بالنفى، مؤكدًا أنه لم يندم، ومارس عليه الإسلاميون فى ذلك الوقت ضغوطًا حتى يكون أكثر مرونة للسماح بخروجه من السجن».
ويعد «رفاعى طه» أبرز القيادات العائدين من أفغانستان، وهو ينتمى إلى محافظة قنا، وانضم للجماعة الإسلامية فى السبعينيات عندما كان طالبًا فى كلية التجارة بأسيوط، وكان أحد قيادات الجماعة القديمة مع على الشريف، ومحمد شوقى الإسلامبولى، الذى قُبض عليه عام ١٩٨١ فى قضية تنظيم «الجهاد» وحكم عليه بالسجن ٥ سنوات، ورغم ذلك أعلنت إدارة سجن ليمان طرة عن أن رفاعى طه سيخرج عام ١٩٨٥ بعد أن حدث خطأ من كاتب السجن، ونظرًا لأن القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية كانوا يتوقعون حصولهم على الإعدام فى قضية «اغتيال السادات»، قاموا بتصعيد رفاعى طه وبعض القيادات المحكوم عليهم بأحكام مخففة ليكونوا أعضاء بمجلس شورى الجماعة ليتعلموا كيفية إدارة الجماعة عند خروجهم.. خرج «رفاعى» وقاد العمل فى القاهرة وبدأ يعيد تنظيم الصفوف مرة أخرى فى العمل، وانتشرت الجماعة الإسلامية فى عهده انتشارًا كبيرًا، بعدها خرج بعض قيادات الجماعة المحكوم عليهم بـ٧ سنوات فى قضية تنظيم الجهاد الكبرى لينضموا إلى «طه»، وكان على رأسهم طلعت فؤاد قاسم ومصطفى حمزة وممدوح على يوسف ومحيى الدين عبدالعليم، الذين قاموا بإحياء التنظيم المسلح للجماعة، وسافر «رفاعى» إلى السودان وأفغانستان وباكستان واليمن، وفى أفغانستان تم تشكيل مجلس شورى للجماعة الإسلامية بالخارج، وكان يرأسه «رفاعى»، وبعد فترة فوضه أعضاء المجلس بالخارج باتخاذ جميع القرارات دون الرجوع إليهم، وإصدار بيان بتبنى حادث الأقصر، وفى عام ١٩٩٤ حُكم على «رفاعى» بالإعدام غيابيًا فيما سُمى بقضية «العائدون من أفغانستان»، وتنقل بين عدة دول، كان آخرها سوريا التى قبض عليه فيها عند وصوله مطار دمشق، بعد أن أبلغت عنه المخابرات السودانية فى محطته قبل الأخيرة ليتم تسليمه إلى مصر.
أما مصطفى حمزة، أحد القيادات الجهادية العائدة من أفغانستان، فكان قد تم إعداده داخل السجن على يد القيادات التاريخية للجماعة ليقود التنظيم فى الخارج، حيث كان مكلفًا بإعداد وتجهيز أفراد الجماعة للسفر إلى أفغانستان، ومع تطور الأحداث قام بإحياء الجناح العسكرى مرة أخرى، وكان «حمزة» وراء محاولة اغتيال عبدالحليم موسى وزير الداخلية، وراح ضحيتها رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب عام ١٩٩٠، وسافر إلى أفغانستان، وتولى قيادة معسكر الجماعة هناك ودرّب أبناء الجماعة فى أفغانستان لقتال الاتحاد السوفيتى، كما تولى رئاسة مجلس شورى الجماعة الإسلامية فى الخارج بعد استقالة رفاعى طه، وكان المخطط الرئيسى لمحاولة اغتيال الرئيس الأسبق مبارك فى أديس أبابا عام ١٩٩٥، حيث قام بتدريب المجموعة التى نفذت العملية، واستقر «حمزة» فى السودان قبل أن تقوم السلطات السودانية بتسليمه إلى مصر، وحصل على حكمين بالإعدام، الأول فى قضية «العائدون من أفغانستان» عام ١٩٩٢، والثانى فى قضية أديس أبابا عام ١٩٩٥، وحكم عليه كذلك بالإعدام فى قضية «العائدون من السودان».
من القضايا الأخرى التى ضمت إرهابيين عائدين من دول آسيوية سيطر عليها المتطرفون، قضية «العائدون من ألبانيا»، التى أظهرت التحقيقات فيها اسم قيادى فى جماعة الجهاد، من أبناء قرية ناهيا التابعة لمركز كرداسة، وكان لا يقل خطورة عن الأسماء المشهورة من نفس قريته، أحمد إبراهيم السيد النجار، المنضم لتنظيم الجهاد عام ١٩٧٩ وهو فى السابعة عشرة من عمره، وتعرف إلى أيمن الظواهرى فى السجن إثر اعتقاله بعد اغتيال السادات، وكانت المقابلة الثانية بينهما فى السودان عام ١٩٩٣، حين أصدر الظواهرى قرارًا بتعيينه مسئول لجنة التنظيم المدنى للجماعة فى مصر، واعتقلته المخابرات الأمريكية فى ألبانيا لتعيده إلى مصر عام ١٩٩٨، متهمًا فى القضية المشهورة إعلاميًا باسم «العائدون من ألبانيا».
هرب النجار من الملاحقات الأمنية مستعينًا بمجموعة ناهيا وكرداسة، وساعده عادل السودانى، قائد المجموعة، على الهرب، بمده بجواز سفر مزور يحمل اسم عبدالرحمن محمد حسن، تمكن بواسطته من السفر إلى الأردن، ومنه إلى اليمن.
سفر النجار إلى اليمن كان نقطة تحول مهمة فى درجته التنظيمية داخل جماعة الجهاد، ذلك أنه وخلال صيف ١٩٩٤ سافر إلى السودان لمقابلة أيمن الظواهرى، للمرة الثانية منذ انضم إلى الجماعة عام ١٩٧٩، وهناك كلفه بتولى مسئولية لجنة التنظيم المدنى داخل مصر، والمختص بمتابعة أعضاء الجماعة، وإعداد قاعدة بيانات تشمل المعلومات المتوافرة عن كل عضو، ومقوماته الفقهية، والشرعية، والجسمانية، والأعمال التى يصلح لها، وكيفية الاتصال به. ومن السودان حصل النجار على جواز سفر آخر مزور، يحمل اسم «محمد رجب محمد فودة»، عائدًا إلى اليمن، وخلال عام ١٩٩٥ استغل موسم العمرة فى المملكة العربية السعودية لمقابلة عضوى التنظيم من قريته ناهيا، أحمد حسين عبدالدايم القبلاوى، ومحمود العقباوى، وعاود لقاء عناصر التنظيم، من أبناء قرية ناهيا، مرة أخرى، فى موسم الحج عام ١٩٩٥.
خلال شهر أكتوبر ١٩٩٥، أصبح ابن قرية ناهيا، أحمد النجار، إلى جانب مسئوليته عن لجنة التنظيم المدنى للجماعة، مسئولًا أيضًا عن محطة اليمن، بتكليف من القيادى أيمن الظواهرى.
خلال يناير عام ١٩٩٦ غادر «النجار» محطة اليمن متوجهًا إلى ألبانيا، والتحق بالعمل بمؤسسة الحرمين، ثم جمعية إحياء التراث، وفى تلك الفترة عرض عليه القدوم إلى أفغانستان، على أن يتكفل أسامة بن لادن بنفقات أعضاء التنظيم وأسرهم، لكنه اختار البقاء فى ألبانيا.
قضية «العائدون من أفغانستان» ليست الأولى التى سقط من خلالها أعضاء التنظيمات الجهادية، أعقبها بعام واحد سقوط ١٠٠٠ جهادى عادوا إلى مصر بعد التدريب فى أفغانستان، فى القضية المشهورة إعلاميًا بـ«تنظيم طلائع الفتح».
سقط التنظيم بالصدفة بعد قيام مجموعة من العائدين من التدريب بأفغانستان بالاستيلاء على سيارة ميكروباص بعد قتل السائق ومساعده لاستخدامها فى عملية تُعد لها، وانكشفت المجموعة، مما أدى لانكشاف العديد من المجموعات بشكل تدريجى، ولم يتمكن سوى ٣ من قادة المجموعات من السفر خارج مصر بعد تلقّيهم تحذيرًا بانكشاف المجموعات، وهم: «أحمد بسيونى دويدار (الغربية)- هانى السباعى (القناطر الخيرية)- عادل السودانى (ناهيا وكرداسة)».
وبحلول منتصف العام ١٩٩٣ بلغ عدد المقبوض عليهم ١٠٠٠ فرد، تم تقديم ٨٠٠ للمحاكمات فى ٥ قضايا اشتهرت باسم «تنظيم طلائع الفتح».