وائل لطفي يكتب: اختيار مصر
جرت العادة أن يكتب المؤرخون التاريخ وأن يحوله الفنانون إلى أعمال فنية، لكن صناع مسلسل «الاختيار» يدمجون المرحلتين فى مرحلة واحدة.. يؤرخون لأحداث مهمة جدًا فى تاريخ مصر، ويقدمون عملًا فنيًا راقيًا فى نفس الوقت.
أهمية مسلسل الاختيار أنه يؤرخ لفترة مهمة من عمر هذا البلد.. فترة تخيل فيها الإرهاب أنه يمكن أن يخيف المصريين، أو أن يغير اختيارهم.. أو أن يهز أركان الدولة الممتدة لآلاف السنين.. يحسب للمسلسل أنه قرر أن يفتح جراحًا أغلقت على قيح أكاذيب الإخوان.. من أهم هذه الجراح وقائع اعتصام رابعة العدوية، حيث عاش الإخوان على ترويج مظلومية كاذبة تقول إنهم كانوا ضحايا الحرية.. والحقيقة أنهم كانوا ضحايا إرهابهم.. وضحايا قادة جماعتهم الذين حرضوهم على العنف والإرهاب وقالوا لهم إن مرسى لن يرجع إلا بمزيد من الدماء.. قالوها وكرروها حتى أصبحت عقيدة لدى أتباعهم.. وفى اللحظات الحاسمة هرب القادة وتركوا أتباعهم ينفذون التعليمات.. كان ذلك رهانًا غبيًا لجماعة أدمنت الغباء والإرهاب.. كان هناك رهان أن دفع الإخوان لحمل السلاح وتقديمهم كضحايا يمكن أن يحدث انقسامًا فى صفوف الشعب، لكن ذلك لم يحدث.. وكان هناك رهان أن ذلك يمكن أن يحدث ضغطًا دوليًا على مصر التى قاومت كل الضغوط.. وخرجت من المحنة أقوى مما خرجت.. يستعرض المسلسل كل تنظيمات العنف التى خرجت من رحم الإخوان، وأطلقت على نفسها مسميات أخرى على سبيل التمويه، فى حين هى لا تفعل شيئًا غير تنفيذ تعليمات سيد قطب مفكر الجماعة وصائغ أفكارها.. يحسب للمسلسل أيضًا أنه قدم تضحيات رجال الدولة المصرية، وأظهرهم لنا على حقيقتهم.. أصحاب عقيدة لا أنهم موظفون، وبشرًا من لحم ودم لهم أسر وأطفال ومشاعر، وليسوا على الصورة البشعة التى حاولت أن تصورهم بها الجماعة خلال ستين عامًا.. الاختيار ليس مسلسلًا.. ولكنه تعبير عن «اختيار» المصريين الذين اختاروا البناء بدلًا من الهدم، والاستقرار بدلًا من الفوضى، والوطن بدلًا من الجماعة، والأمن بدلًا من الإرهاب.. وسيحصد المصريون ثمار اختيارهم أمنًا وسلامًا وتعميرًا.. عما قريب.