رذاذ الموجة الإرهابية الجديدة التى تضرب سواحل أوروبا
بريطانيا التى تضمنت أسباب خروجها من الاتحاد الأوروبى، عديدًا من تحفظاتها الأمنية على مجمل الأداء الأمنى لدول الاتحاد، فيما يتعلق بملف مكافحة الإرهاب على وجه الخصوص، ومنها أيضًا ما كان له ارتباط بذات الملف على نحو آخر وهو قضية المهاجرين واللاجئين - اليوم بريطانيا ما زالت تعتبر نفسها مشدودة داخل معادلة الأمن الأوروبى، وتجد أن ما جرى فى فرنسا وأتبعه فى النمسا من هجمات إرهابية، يستلزم من أجهزتها الأمنية والاستخباراتية شكلًا استثنائيًا فى التعاطى.
لذلك أعلنت بريطانيا سريعًا عن أنها رفعت مستوى التهديد الإرهابى فى البلاد إلى درجة «خطير»، اعتبارًا من يوم الثلاثاء، ويعد هذا التصنيف هو ثانى أعلى مستوى، حيث يعرف مستوى التهديد الـ«خطير» بأن وقوع هجوم إرهابى داخل بريطانيا يعتبر، حسب تقدير الأجهزة الأمنية مرجحًا للغاية. «بريتى باتل» وزيرة الداخلية البريطانية، هى التى أعلنت عن هذا القرار فى بيان حمل بعضًا من العبارات الدالة، منها «اتخذنا بالفعل خطوات مهمة لإصلاح سلطاتنا، وتعزيز الأدوات، للتعامل مع التهديدات الإرهابية المتطورة التى نواجهها». ومنها أيضًا: «تلك العملية ستستمر، ولا يجب أن يشك الرأى العام البريطانى فى أننا سنتخذ أقوى تحرك ممكن، لحماية أمننا القومى»، فى خطاب يستهدف طمأنة الداخل البريطانى، فى الوقت ذاته بإشارة أن تلك الإجراءات الاستثنائية ستستمر لفترة ليست بالقصيرة. وقد لحق الوزيرة السيد «نيل باسو»، رئيس شرطة مكافحة الإرهاب فى بريطانيا، بالتأكيد أنه على الرغم من عدم وجود رابط استخباراتى بين الهجمات فى أوروبا والمملكة المتحدة، فإن شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية ستقدم بالتأكيد لنظرائها الأوروبيين كل المساعدات التى تستطيع تقديمها.
بالذهاب إلى أوروبا التى بدا وقع تلك الهجمات الأخيرة، يظهر عليها فى صورة الارتباك الذى كشف عن أن هذا التصعيد قد ضربها، على نحو مفاجئ فى توقيت بدت فيه مشغولة أكثر بـ«موجة كورونا» الثانية، عن كونها مستعدة أو قد استعدت لما اتفق الجميع بعد ظهور أولى تجلياتها، أنها «موجة إرهاب» تشبه موجة أعوام ٢٠١٦ و٢٠١٧. ففى النمسا نفذت الشرطة «١٨ عملية» مداهمة أمنية، أسفرت عن اعتقال «١٤ شخصًا»، أثناء سير التحقيقات والتحرى حول واقعة إطلاق النار الدامية فى العاصمة، التى أسفرت عن ٤ قتلى و٢٢ إصابة. هذا الهجوم الإرهابى وقع فى «٦ مواقع» متفرقة بالعاصمة النمساوية، فى وقت مبكر من مساء الإثنين الماضى قبل ساعات من بدء تنفيذ إجراءات الإغلاق العام، المرتبطة بكوفيد-١٩، التى اضطرت البلاد لإعادة فرضها فى محاولة للسيطرة على الموجة الثانية التى تمر بها البلاد. وعلى الرغم من أن الأدلة المتوافرة أمام الأمن النمساوى حتى الآن، لا تشير إلى أن الهجوم الدامى الذى وقع وسط فيينا نفذه أكثر من مهاجم واحد، ليبقى المتهم الوحيد بارتكاب هذه الحزمة من الهجمات هو الشاب الذى قُتل برصاص الأمن، حيث يبلغ من العمر ٢٠ عامًا ويحمل الجنسيتين النمساوية والمقدونية الشمالية، بل ومعروف لدى الاستخبارات النمساوية بسبب سابق إدانته العام الماضى، بسلوك عُد جريمة إرهابية وهو محاولة السفر إلى سوريا. ويمثل هذا الشخص بالفعل واحدًا من بين «٩٠ متطرفًا» نمساويًا، أرادوا السفر للقتال فى سوريا تحت راية تنظيم «داعش»، مما جعل الأمن يتوقع أن يكون هناك شركاء له بالعملية، ويقوم على إثر ذلك بجمع المعلومات حول ما إذا كان هناك فارون من موقع الحادث من عدمه.
الهجوم الإرهابى بدأ عند أكبر «كنيس يهودى» فى فيينا، وحسب زعيم المجتمع اليهودى «أوسكار دويتش»، عبر حسابه على «تويتر»، فإن الكنيس كان مغلقًا عند بدء الهجوم فى الساعة الثامنة مساءً بالتوقيت المحلى. وأن هناك من رجال الأمن المكلفين بحراسة الكنيس من سقطوا مصابين، جراء طلقات الهجوم التى انهمرت على المكان، ويكاد معظم شهود العيان- وهو ما لم تؤكده الشرطة- يجمعون على أن هناك أكثر من شخص، نفذوا الهجمات، حيث وقعت فى أوقات متقاربة للحد الذى يصعب معه حتى نظريًا، تصور أن يكون هناك شخص واحد تمكن من التنقل بهذه السرعة بين هذه الأماكن المتعددة، كما ورد أيضًا على لسان هؤلاء الشهود الذين تصادف وجودهم بأماكن قريبة، أنهم سمعوا دوى طلقات رصاص حسبها البعض فى البداية «ألعابًا نارية»، خاصة أنها جاءت متلاحقة للحد الذى أكد فيه البعض أنها كانت ما بين «٢٠ و٣٠ صوتًا»، مؤكد رصده من متواجدين بمحيط الأحداث كانوا فى طريقهم للمنازل فى هذا التوقيت من اليوم.
مساء الثلاثاء أعلن تنظيم «داعش» عن مسئوليته عن الهجوم الذى وقع فى فيينا، وأكد خلال البيان الذى أصدره على وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم الإرهابى عن «هجوم بالأسلحة النارية نفذه مقاتل من داعش بمدينة فيينا»، وهو تأكيد من قِبل التنظيم على أنه شخص واحد من قام بالهجوم، لكن قد يكون فى ذلك نوع من التغطية على شركاء آخرين ينتمون للتنظيم، حتى لا تلتقط الشرطة النمساوية خيوطًا جديدة لملاحقة عناصر ينتمون بصورة مؤكدة للتنظيم، ويقيمون بداخل النمسا فى العاصمة فيينا وغيرها من المدن. نشر التنظيم كذلك «شريط فيديو» قصيرًا مدته دقائق، يظهر فيه المهاجم المسلح وهو يصور نفسه وحيدًا أمام الكاميرا، أثناء مبايعته لزعيم التنظيم «أبوإبراهيم الهاشمى القرشى». هذه تفاصيل أقل ما توصف به أنها تشكل إخفاقًا أمنيًا كبيرًا لأجهزة الأمن النمساوية، وهناك مَن يقدر بأنها تنسحب على أوروبا بأكملها، فقد خضع منفذ العملية- إن ظل أنه واحد فقط- إلى برنامج لإعادة التأهيل والاندماج، بعد إدانته المشار إليها ووضوح انتمائه مع آخرين لتنظيم «داعش»، والواضح أنه كان يعيش بحرية كاملة داخل العاصمة النمساوية، بل ولم تجر الاستخبارات النمساوية أيًا من أعمال المتابعة أو تتبع خيوط الارتباط، فى علاقة معلنة بين هذا الشخص والتنظيم. على أى الأحوال بدأت الموجة الإرهابية فعليًا تضرب شوارع المدن والعواصم الأوروبية، وقد تحمل الأيام القادمة المزيد من فك شفرات هذه الشبكات النائمة من حيث عددها وأماكن وجودها، وقدراتها التى أفصحت عن نفسها فى شوارع فيينا المفتوحة.