أحقًا تحبون الرسول؟
نبى الإسلام صفح عن قومه وغيره من الأقوام، ولم يعاد من آذوه وشردوه وأخرجوه من دياره بغير حق، وقال لهم نصًا: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
وزار جاره اليهودى المريض الذى كان يضع الأذى على باب بيته كل صباح، وطالبكم بعدم تدوين أحاديثه المرسلة لكم، وأحدكم طالب بأن تنسخ تلك الأقوال المرسلة قرآنكم المجيد ولم تهبوا أو تنتفضوا!!
لقد فعلتم- وما زلتم تفعلون- عكس ما كان يريده نبى الإسلام منكم، خالفتموه ودونتم أحاديثه وقدستم الرواة وجامعى الأحاديث، وخالفتم ما جاء به النبى من تعاليم وسماحة ولين ويسر، بل وحرَّمتم ما أحله، والآن تقتلون باسمه وباسم خالقه وخالقكم، وتتذرعون به لتذبحوا وتعتدوا.
فلماذا لا تنحوه جانبًا وأنتم تكشفون عن وجوهكم القبيحة، وتكشرون عن أنيابكم الملطخة بالدماء، وغليلكم والرغبة فى التشفى التى تشبعتم بها؟!
حملة حمقاء ينادى بها البعض لمقاطعة فرنسا ومنتجاتها، وكأن أسواقنا فى ظل جائحة كورونا تعج بالبضائع الفرنسية، بل وكأن جيوبكم وحافظات نقودكم تستطيع شراء واقتناء ما هو متوافر منها!!
إنها دعوة حمقاء تلحق اليوم بركب حماقات دعوات المقاطعة التى سيقت من سنوات مطالبة بمقاطعة الدنمارك بعد رسومات رسمها فنان دنماركى، فهاج وماج بعض مسلمى الأرض، وقاموا بحرق وتكسير عدد لا بأس به من السفارات والسيارات والأبنية، ليثبتوا لعدسات الوكالات والقنوات الإعلامية أن بعض أتباع الرسول الكريم همج وغوغائيون يمارسون الغلو والعنف المفرط، وذبح فى هولندا مخرج سينمائى «ثيو فان جوخ» على يد متطرف مغربى، ثم هوجم مقر صحيفة «شارلى إبدو»، وقتل المتطرفون الإرهابيون ١٢ فرنسيًا وأصابوا ١١ شخصًا تقربًا إلى الله وحبًا فى نبيه! وذبح داعشى كاهنًا فرنسيًا عام ٢٠١٦ فى كنيسة فى مدينة «نورماندى».
سبق ذلك قتل ٨٤ فرنسيًا، بينهم أطفال، فى الاحتفال بيوم الباستيل، الموافق الرابع عشر من يوليو من نفس العام فى مدينة «نيس» الفرنسية، والتى شهدت منذ أيام ذبح ثلاثة مصلين فى كنيسة هناك على يد إرهابى موتور! ناهيك عن الملعب الرياضى الذى تم تفجيره وقتل من فيه على يد ثلاثة إرهابيين، بل وقتل ٤٨ مثليًا من قبل متطرفين هاجموا فرنسيين فى ملهى ليلى، ثم ذبح المدرس فى مدرسته بسكين غادر، تمامًا كما تذبح الخراف- أو بعبارة أدق- كما اعتاد الدواعش ذبح البشر كما تُذبح البهائم.. وللأسف أحيانًا تُعامل البهائم والأبقار ويعامل الحيوان بشىء من الرحمة، التى لا يحظى بها الشهيد وهو بين يدىّ قاتله، الذى يظن أنه ربه ليقتله ويقبض روحه!
إنه الافتئات على الله ونبيه يا سادة والقتل تذرعًا بهما.
لقد أدرجت فرنسا العلمانية اليوم ما يزيد على ثمانية آلاف متشدد يعيشون على أرضها ولا ينتمون لعلمانيتها أو ثقافتها أو حضارتها وفكرها الرحب، إذ تربى الفرنسيون على تعاليم فولتير الذى أحسن علمنة شعبه وتعليمه مبادئ الحرية وقبول الآخر، وأشبعه بأعمق وأعرق معانى الإنسانية، ورغم ذلك ظلت فرنسا مستهدفة من قبل الذئاب والضباع والمزايدين، الذين ينعمون على أرضها بالمبادئ العلمانية والليبرالية الرحبة، ليأتى الرد دومًا على كل ذلك بالمزيد من التزيد والغلو والمزايدة وسفك الدماء.
وعندما منعت فرنسا ارتداء الطلاب الرموز الدينية فى مدارسها، قاد العقل المدبر للفكر الداعشى «يوسف القرضاوى»، آنذاك، حملة ضد فرنسا ووصف انضباطها ورغبتها فى إنهاء التمييز بين الطلاب فى المدارس بمنعهم من ارتداء الصلبان وطواقى اليهود المتشددين وحجاب الفتيات كرمز وشعار دينى وسياسى بأنه هجمة شرسة على الإسلام، وصُك آنذاك مصطلح «الإسلاموفوبيا» المغرض ذو المآرب، والذى آمن به وروج له، للأسف، فرنسيون أخلصوا لتعاليم فولتير الإنسانية الرحبة، وهم الآن على قائمة الموت ينتظرون دورهم الآتى فى الذبح.
فهل القتلة وحاملو السكاكين ينتصرون حقًا لنبيهم ودينهم بقتل من آووهم وأطعموهم وعلموهم وقبلوهم وعاشوا بينهم وكان مصيرهم الذبح؟!