المعركة الانتخابية للرئيس الأمريكي مع منظمة الصحة العالمية
وسط السيل الهادر من الأخبار الصادرة على مدار الساعة من شرق العالم وغربه، توقف الكثيرون بالطبع أمام المعركة التي كانت فصولها الأولى تتحرك على مهل منذ أيام، وإذا بها سريعا تصل بالأمس إلى أحد مشاهد الذروة التي استلفتت الانتباه بشده. فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ خلال لقاءته الإعلامية اليومية وبعض من تغريداته خلال أيام مضت كال اتهامات عدة لـ"منظمة الصحة العالمية"، واعتبر سوء إدارتها لأزمة انتشار فيروس كورونا أحد الأسباب الرئيسية، لتفاقم العدوى وانتقالها بهذه الصورة لمرحلة "الجائحة" التي تتربع الولايات المتحدة، على عرش خسائرها اليوم ان جاز هذا التعبير بالنظر لعدد الاصابات والضحايا.
في أحد مشاهد الذروة، والذي يبدو سيتبعه لاحقا أكثر من مشهد مماثل، أعلن الرئيس ترامب الثلاثاء الماضي، أنه أمر بتعليق المساهمة المالية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية، بسبب ما أسماه نصا "سوء إدارة" المنظمة التابعة للأمم المتحدة، لأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد. جاء ذلك خلال المؤتمر الصحفي اليومي الذي يجري في البيت الأبيض، وأتبع ذلك باتهام المنظمة أنها مارست تعتيم على تفشي الفيروس، وهي بذلك تكون قد أخفقت في واجبها الأساسي وتجب محاسبتها. دونالد ترامب استخدم في قصفه التمهيدي على المنظمة، الأرقام التي قدرت بـ (450 مليون دولار) كحجم تمويل الولايات المتحدة للمنظمة عن عام 2018 ـ 2019، أي ما يقارب 15% من ميزانيتها الإجمالية. واستخدم خلالها أيضا عقد للمقارنة ما بين تلك الأرقام وبين حجم المساهمة الصينية، التي أعلن أنها لا تتجاوز (86 مليون دولار) عن نفس العام، وهي تمثل أكبر رقم لاسهامات بكين طوال عمر المنظمة الدولية. ليتبع ذلك وصلة تقريع ولوم قاس لإدارة المنظمة، كونها أدارت الأمر لصالح الصين رغم هذا الفارق الكبير في الحصص التمويلية، ووقع بالطبع الدكتور "تيدروس أدهانوم" مدير عام منظمة الصحة العالمية، تحت القصف النيراني لاتهامات الرئيس ترامب، أبرزها من المعلن فقط أنه أدار الأزمة من بدايتها لصالح الصين، بل ذهب إلى أبعد من ذلك متسائلا عن أسباب ما جرى من تواطؤ من قبل مدير المنظمة !
الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"؛ أصابه انزعاج كبير من الموقف الأمريكي وانتقد بشدة قرار الرئيس ترامب، فقد صرخ الرجل فعليا معتبرا أن "هذا ليس وقت خفض موارد"،فالمنظمة الأممية منخرطة الآن على نحو كبير في الحرب ضد وباء (كوفيد– 19)، وتعد أهميتها حاسمة في الجهود التي يبذلها العالم للانتصار في تلك الحرب، التي لم يتحسب لها أحد من الدول. يحاول الأمين العام منذ تلقى هذا القرار الأمريكي، أن يدافع عن المنظمة بكل الوسائل الممكنة وأن يستخدم كافة أسلحة الضغط، والتي تبدو دون جدوى حتى الآن، خاصة في ظل ما تتعرض له باقي الدول التي يمكنها مساندة جوتيريش الآن. الأمين العام في احدى افاداته التي استهدف من خلالها تخفيف حدة الهجوم الأمريكي قبيل صدور القرار بلحظات، صرح بصوت عال أن المنظمة التي تتعرض للهجوم اليوم، تتصدى للوباء من موقع الخطوط الأمامية، وتقدم الدعم للدول الأعضاء ومجتمعاتها، وخصوصا الأكثر ضعفا من بينها، مستخدمة في ذلك الإرشادات وتدريب الكوادر، والتزويد بقدر الإمكان بالمعدات والخدمات الملموسة المنقذة لأرواح البشر. هذا بالطبع جهد فائق، وحديث الأمين العام له ما يؤكده على الأرض في العديد من بلدان العالم، لكنه يبقى حتى اللحظة غير مؤثر على القرار الأمريكي، الذي يفهمه الكثيرون باعتباره بحث من الرئيس دونالد ترامب عن "كبش فداء"، بعد تعرضه لانتقادات واسعة في الداخل الأمريكي ومن حلفاءه المقربين من الدول، بسبب طريقة تعاطيه مع أزمة(كوفيد – 19) خاصة بعدما قال في يناير عن الوضع العام إنه: "تحت السيطرة الكاملة"، وإذا به بعد أسابيع قليلة يؤديإلى وفاة أكثر من (23500 شخص) في الولايات المتحدة وحدها.
على جانب آخر؛ لا يبدو تفسير الأمر ببساطة البحث عن "كبش فداء" من قبل رئيس داهمته أرقام مفزعه لعدد الضحايا والمصابين، فهناك من رجال إدارته من يرصد أخطاء كارثية وقعت فيها المنظمة، البعض منها معلن بالفعل والآخر يحتفظ به الرئيس الأمريكي شخصيا، لاستخدامه في الوقت المناسب من الحرب التي قرر بوضوح خوضها ضد المنظمة. فبعضهم يعتبر أن الرئيس أصاب بالفعل، عندما رفض توصية المنظمة بابقاء الحدود مفتوحة مع الصين في البداية، واعتبر في حينه أن هذه نصيحة مغلوطة وغير مبررة. فالموجة الكبيرة التي بدأت بحالة وفاة واحدةفي يوم 11 يناير الماضيوصلت إلى ما يقرب من (90 ألف) يوم 9 أبريل. وبالتالي ثار التساؤل بقوة عن ملكية منظمة الصحة العالمية لمجال أكبر للتدخل،خاصة وهي تتوافر لديها ميزانية ضخمة من التمويلات، بلغت (5.6 مليار دولار)بحسب آخر تحديث لعام 2019. وقد أبرزت المواقع الصحفية الموالية للرئيس ترامب أن ما يقارب من (800 ألف) مستخدم عبر العالم،قاموا خلال أيام بتوقيع عريضة على موقع "تشانج" Changeموجهة إلى الأمم المتحدة، من أجل إقالة رئيس منظمة الصحة الإثيوبي "تيدروس أدهانوم" من منصبه. العريضة تذكر أن رئيس المنظمة غير مناسب لهذا المنصب، باعتباره يتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية انتشار الفيروس، إذ رفض يوم 23 يناير إعلان "حالة الطوارئ" العالمية، ما جعل عدد الوفيات والإصابات يتضاعف لخمس مرات في غضون خمسة أيام فقط. حيث لم تعلن المنظمة العالمية حالة الطوارئ الصحية العامة إلا في يوم 30 يناير، كما لم تصف انتشار الفيروس بـ"الجائحة" إلا يوم 11 مارس الماضي، فقبل هذا التاريخ ذكرت المنظمة أن التحقيقات الأولية أوضحت أن السلطات الصينية لم تعثر على أدلة كافية، لتأكيد أن الفيروس ينتقل عبر البشر بين بعضهم البعض !
القضية كبيرة ومعقدة؛ والمعركة ستظل ساخنة حتى وهي محملة بأبعاد انتخابية خاصة بسباق الرئيس الأمريكي، لكن أسانيد هجماته وما سيذهب إليه طوال الشهور القادم، لا تخلو هي الأخرى من معطيات قادرة على أحداث إصابات مؤثرة في الخصوم، أيا ما كانوا هؤلاء الخصوم، المنظمة أو الديمقراطين أو الصين ذاتها التي تنتظر فصل ساخن سيبدأ مباشرة فيما بعد انتهاء ذروة الوباء.