القلب وما يريد: جو وعمر الشريف.. عِشرة عمر أفسدها الهوى
عمر: «يوسف كان عنده حاجات أنا مقدرش عليها»
عشق فاتن حمامة وراء الخلاف بين «الأصدقاء القدامى»
رغم حرصه فى كل حواراته التليفزيونية والصحفية على عدم الخوض فى تفاصيل الحياة الشخصية لأصدقائه، وزملائه من الممثلين، ونجوم الوسط الفنى، إلا أن النجم عمر الشريف لم يستطع أن يحافظ على هذه العادة عند الحديث عن مكتشفه، ورفيق صباه، المخرج الكبير يوسف شاهين، فقد وقع أمام عينى بالصدفة خلال الفترة الأخيرة أحد حواراته الصحفية المتأخرة، التى قال فيها نصًا إنه رفض الاستمرار فى العمل مع يوسف شاهين «لأن شاهين كان عنده حاجات جنسية أنا ما أقدرش عليها.. مش عايز أقولها».
الحقيقة أن الحوار الذى نشرته بوابة «الأهرام» بتاريخ ١٧ يناير ٢٠١١، ونقلته عنها العديد من المواقع والصحف العربية، تضمن الكثير من الاتهامات، والعبارات التى تخالف طبيعة عمر الشريف المتزنة، والمتحفظة، لكن أقساها فى ظنى هو وصمه لرفيقه، و«عِشرة عمره» بمثل هذا الاتهام بعد ثلاث سنوات من رحيله، وهو ما أظن أنه خطأ ما كان ينبغى أن يسقط فيه نجم بحجم عمر الشريف، ولا يعنى أحدًا، أو هو ما كان الوسط الفنى يتداوله سرًا دون أن يؤكده أو ينفيه أحد، وهو بالتأكيد لا يعنى جمهور أفلامه التى ربما نختلف حول الكثير منها، وحول قيمتها وجدواها، نرفضها فلا نرى فيها سوى هلوسات، أو شطحات مجنونة، أو نقبلها ونحبها، فنرفعه إلى مصاف العباقرة الذين لا يدرك إلا قليلون أسرار شريطه السينمائى ومفاتيح فتنته.
وربما كان من المهم هنا أن أوضح أننى دائمًا ما كان لاسم يوسف شاهين فى نفسى وقعٌ ملتبس، غير محدد المعالم، بأفلامه، وحضوره، وشخصه، بل وبسيرته الذاتية، لا أعرف حقيقةً هل أحب أفلامه، أو السينما التى قدمها أم أنفر منها، ولا أفهم التداخلات والاستطرادات التى تلفها، وتغلف جو مشاهدتها.. لكننى أعرف جيدًا موقعه كشخص من نفسى، فأحبه بعفويته، وصراحته، وشراسته، ووضوحه الكامل، وقدرته على كسر الجمود، وتخطى كل القواعد التى وضعتها البشرية فى طريق الإبداع والفن، والحياة.
وربما كان لى أن أعترف هنا أيضًا بأننى أرى أنه منذ بداية عمله بالسينما المصرية، كانت هناك هالة غير مبررة بالنسبة لى حول أعماله، فأنا لا أحب الأحكام القطعية، والنهائية، ولا تستفزنى كلمات المديح المبالغ فيها، لا أسلم أذنى لأحد، خصوصا نقاد السينما فى مصر والعالم العربى، إن جاز اعتبار أن لدينا نقادًا، فلا يمكن اعتبار عبارات الإجادة المكررة والمحفوظة بسذاجة من باب النقد، ولا يمكن اعتبار أن حكى عدد من المشاهد، وسرد القصة من أساسياته التى لا يخلو مقال منها، لكننى دائما ما كنت أحتفظ لسينما جو بمكانة لم تعادلها سينما مخرج آخر، حتى وقتنا هذا، خصوصا أفلامه الأولى مثل «بابا أمين»، و«الأرض»، و«باب الحديد»، و«الناصر صلاح الدين» بالطبع، وبعض أفلامه الأخيرة، فيما لم أستسغ الكثير من أعماله، ولم أستطع إكمال مشاهدتها، ولم أحتملها جملةً وتفصيلا.
ما أدهشنى حقًا فى تصريحات الشريف بشأن جو، التى لا تزال موجودة على «بوابة الأهرام» لمن يريد الرجوع إليها، أن عمر نفسه لم يكن قديسًا، ولا ملاكًا يمشى على قدمين، فقد عاش حياته كاملة غير منقوصة، كأى شخص يخطئ ويصيب، يحب ويكره، يعبث أحيانًا، ويلتزم أحيانًا، ومات دون أن ينبش أحد فى أسرار حياته الشخصية، أو يخصص مساحة من وقته للكلام عما به من عيوب ونواقص، فماذا يمكن أن يفرق بين صديقين لعبا صغيرين معًا، وعملا كبيرين معًا، وطالت شهرتهما أركان الدنيا معًا؟.
لماذا توقف اعتماد يوسف شاهين على نجومية عمر الشريف، التى صنعها بيديه وعلى عينه، فتوقف التعاون الفنى بين الاثنين بعد فيلمين يتيمين؟ وهل فعلا عرض شاهين على الشريف العمل فى أفلامه الأخيرة، لكن الثانى رفض التعاون لأسبابٍ شخصية، كما قال فى حواره، الذى لم يتمكن من التراجع عنه، وكيف يمكن لصديق أن يكون هو صاحب الطعنة الأولى فى خصر عشرة السنين؟.
وما قاله الشريف نصًا: «صداقتى بيوسف شاهين انتهت سريعًا، وهو عرض على كذا فيلم وأنا رفضت، وما حصلش منه حاجة، بس هو يعنى كان عنده حاجات جنسية أنا ما أقدرش عليها، ومش عايز أقولها».
هذه التصريحات كانت كفيلة بأن تقيم الدنيا دون أن تقعدها، لولا أنها جاءت فى ذروة أحداث الثورة المصرية، فضاع صداها فى مهب الثورة التى حجب دويها صوت الانفجار، وربما لم يلتفت إليها أحد، خصوصًا أن الشريف كان معروفًا بتحفظه فى أحاديثه الصحفية والتليفزيونية، كما أن الصداقة التى كان يتحدث عنها، وعن أنها انتهت سريعًا لم تكن أبدًا صداقة عادية، فهى التى قدمته وجهًا جديدًا فى السينما المصرية، وأوقفته أمام فاتن حمامة فى ذروة شهرتها، وفى أشهر أفلامهما معًا «صراع فى الوادى»، وهى التى مهدت الطريق أمام تلك القبلة الساخنة التى طبعتها فاتن على شفتى عمر، رغم أنها لم تكن مكتوبة فى السيناريو، فأصابت كل من كانوا فى مكان التصوير بالذهول، وقادتهما لاحقًا إلى الزواج.
والحقيقة أن ما قاله عمر الشريف لم يأت من فراغ، فهو كلام طالما تردد همسًا، وفى دوائر محدودة، ولم تعلُ به الشفاه إلا بعدما ثقل سمع جو، ولم يهتم به أحد باعتباره شأنا شخصيا، لا علاقة له بما يقدمه شاهين من سينما، فما سر هذه المعركة الوهمية التى أطلقها عمر الشريف؟ ماذا أراد من تلك التصريحات الغريبة والمجانية؟ ولماذا تأخرت إلى ما بعد رحيل جو بنحو ثلاث سنوات؟
والحكاية كما ترويها مصادر عديدة أنه عندما بدأ شاهين الإعداد لفيلمه «صراع فى الوادى»، انحصر تفكيره فى فاتن حمامة، التى كانت فى عنفوان شهرتها، ولياقتها الفنية، والتى كان يذوب فيها عشقًا، لكن المشاكل بدأت عندما رفضت أن يلعب شكرى سرحان الدور أمامها، حتى لا تقع فى فخ الثنائيات، لأنهما مثلا معًا عدة أفلام قبلها، ولما أصرت على الرفض، أسقط فى يد شاهين، وفكر فى إحلال إحدى النجمات مكانها، لكنها كانت هى الوحيدة التى تصلح للدور، ولم يكن هو يريد أن يسند الدور إلى سواها، وهنا قفز إلى خياله صورة صديقه وزميل دراسته عمر الشريف، الذى لعب دور هاملت على مسرح كلية فيكتوريا، وكان عمر فى ذلك الوقت يعمل فى شركات والده بتجارة الأخشاب، فلم يصدق عرض صديقه، وأخذها على أنها مزحة منه، ولكن شاهين اصطحبه إلى القاهرة لاجراء اختبارات الكاميرا والأداء، وكانت المفاجأة عندما أسرع المنتج بالتعاقد معه على بطولة الفيلم، وكانت المفاجأة الأكبر عندما وافقت فاتن حمامة فور وقوع عينيها عليه.
وكان معروفًا وقتها أن فاتن قد انفصلت عن زوجها عزالدين ذوالفقار بعدما أنجبت منه ابنتهما نادية، وكانت ترفض أى مشهد أو لقطة فيها قبلة، وكان السيناريو يضم مشهدا لعمر الشريف وهو ينزف بعد إصابته برصاصة، فتأتى إليه وتحتضنه فقط، ولكنها انكفأت عليه وقبلته قبلة أذهلت الجميع، بمن فيهم يوسف شاهين الذى كشف الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس فى زاويته «أمس واليوم وغدا»، بمجلة «روزاليوسف»، أنه كان يحب فاتن حمامة بشكل جنونى، وكان يريد أن يتزوجها بالفعل، وكلما كان يريد أن يصارحها بهذا الحب، وبرغبته فى الزواج منها، يتراجع خوفًا من رفضها، الذى يمكن أن يجعله تعيسًا، لذلك آثر أن يكتم حبه عنها، ويخفيه وهو يشاهد القصة العاطفية الملتهبة بينها وبين صديقه، بل ويعمل على تنميتها بالقبلة التى أنهى بها الفيلم، وهو المشهد الذى قيل إنه أعيد ١١ مرة بتعليمات من المخرج الذى شعر بخيانة صديقه له، وهو الذى كان يعرف بشدة حبه لفاتن، وأن ما يمنعه عنها هو زواجها من عزالدين ذوالفقار، ومعرفته بأن هذه الزيجة قد اقتربت من الفشل، وأنها تواجه عقبات عدة تجعلها تنتهى قريبًا، فكان يحاول أن يدفعها لتشعر بحبه الجامح لها، لكنه احتفظ بسره لنفسه، لأنها لم تبادله نفس الإحساس، بينما سبب حبها لعمر الشريف له إحساسًا بالخيانة من صديقه الذى وضعه على أول طريق الفن، لدرجة أنه حاول الانتحار بعد انتهاء تصوير الفيلم ولكنه فشل.
هل تذكر الشريف هذه القصة وهو يتحدث عن «عِشرة العمر» بهذا السوء؟ و«يقطع فى فروته» بتلك القسوة؟ أم أنه كان قد نسى ما كان مع تخليه عن تحفظه، واتزانه فى حواراته وأحاديثه الصحفية والتليفزيونية؟ وهل كان هذا هو السبب فى تراجعه عن تلك التصريحات، عبر متحدثة إعلامية قالت إنه لا صحة لما نشر حول اتهامه لشاهين بأنه كان يحاول إقامة علاقة جنسية معه؟ فما حدث أنه لم تمض أسابيع على نشر حوار الشريف، حتى قالت المتحدثة الإعلامية باسمه أن «هذا الكلام عار تمامًا عن الصحة»، مستدلة بالصداقة الطويلة التى جمعت بينهما حتى رحيل جو، مضيفة أنه لو كانت هناك بالفعل علاقة بينهما فى هذا السياق، لم تكن الصداقة لتمتد كل هذه السنوات، مؤكدة أن عمر الشريف قال إنه حينما غاب عن مصر سنوات طويلة ثم عاد، فوجئ بأقاويل تفيد بأن شاهين شاذ جنسيًا، ولم يقل أكثر من ذلك فى هذا الشأن، لكنه كما ترون نفى أقرب للإثبات، أو كلام لا يقول شيئًا، خصوصًا مع تأكيد المتحدثة على رفض عمر لكثير من الأعمال التى عرضها عليه شاهين، واستشهاده بالمخرج خالد يوسف للتأكيد على كلامه، ما يعنى أن الصداقة لم تكن قائمة، ولا ممتدة، فلم يكن الرفض بسبب ما ساقته المتحدثة من أسباب تتعلق بالدور أو الفن، فهو بنفسه من اعترف قبلها بأنه اضطر أحيانًا إلى عمل أفلام «وحشة عشان أشتغل وما أقعدش فى البيت على طول»، مضيفًا: «أنا أعتبر عملى فى الخارج ٤ أفلام فقط جيدة، والباقى لا يعجبنى، ولى فى مصر فيلم أو اثنان فقط».
فهل يكفى تراجع عمر الشريف «المتهافت» عن إساءته «الفجة» لذكرى المخرج الكبير يوسف شاهين لغفران ما جرى؟ ونسيان أنه حدث بالفعل، ولم يمسك لسانه عن الخوض فى سيرة صديقه وصانع نجوميته؟.. ربما.