الأذرع الإيرانية التى تراهن عليها طهران فى ساحات المواجهة
الولايات المتحدة الأمريكية، بل ربما وكل الأطراف المتداخلة فى الأزمة الراهنة، التى تدور فصولها على ساحل وفى جنبات الخليج العربى، يقدرون من اللحظة الأولى للتصعيد الأمريكى، أن الأخطر والأكثر قدرة على الفاعلية من إيران، هى أذرعها بالمنطقة. وهى بنك استثماراتها التى بذلت فيه طهران الكثير على امتداد عقود سابقة، ومؤخرًا دفعت بها لمجال الاصطفاف المباشر، ونقلت إلى مستوى أعلى من التعاون خصيصًا مع منظومة «الحرس الثورى» منذ العام 2011.
اليوم وعلى وقع تلك الأزمة المعقدة التى تتعرض لها الجمهورية الإسلامية، جراء حزم العقوبات الأمريكية وانسحاب الأخيرة من المعاهدة النووية التى كانت إدارة أوباما قد أبرمتها، على أمل الوصول إلى الحد من التغول الإيرانى فى الإقليم، وهو ما لم يحدث، مما دفع إدارة الرئيس ترامب من اللحظات الأولى لوصولها لمقاعد السلطة، للسير قدمًا فى طريق نقض تلك المعاهدة، وهو ما جرى فعلًا. ومنذ تلك المحطة وطهران تُنشّط نقاط وأوراق قوتها، خشية التعرض إلى عمليات عسكرية مباشرة، ظلت واشنطن تلوح بها وهى اليوم تقف على مسافة مئات الأمتار من السواحل الإيرانية، فى ظل لهجة وإجراءات تصعيد، غير مسبوقة، لم تشهدها المنطقة من قبل، ربما الأقرب لها هو المشهد الذى سبق غزو العراق فى العام 2003. الاحتمالات جميعها تظل مفتوحة، ولا تمر ساعة واحدة من أيام الأزمة، إلا وهناك التصريح وعكسه من كلا الطرفين الأمريكى والإيرانى. وليس هناك وفقًا لمعظم المؤشرات ما ينبئ بترجيح احتمال عن آخر، فالواقع يقول، وقبله تصريحات الطرفين،ـ إن لا أحد يريد الحرب، وكلاهما ينتظر تراجع الطرف الآخر إلى الخلف قليلًا كى تخف حدة الأزمة، للسماح بالتقاط الأنفاس والتفكير فى كيفية الخروج من عنق التصعيد الخانق.
الجانب الأمريكى حدد بوضوح مكامن الخطر التى قد تسبب له ولحلفائه قدرًا لا يُستهان به من الإزعاج. حيث يرى الجانب الأمريكى أن إيران اتبعت فى عمليات نقل الصواريخ إلى الخارج نمطًا مميزًا، أولًا، يتم توفير صواريخ المدفعية بعيدة المدى ويتم تحديثها أحيانًا بدقة أفضل، ثم تضاف إليها الصواريخ البالستية القصيرة المدى. وعندما يتطلب الأمر مدى أطول، جرى توفير صواريخ بالستية طويلة المدى، حيث لا تسهم هذه الزيادات فى مدى الصواريخ، فى رفع عدد الأهداف التى يمكن الوصول إليها فحسب، بل تسمح أيضًا بتخصيص سلسلة من مواقع الإطلاق، تكون أوسع نطاقًا ويصعب توقعها. كما أن تفويض الوكلاء الأماميين بتجهيز منصات الإطلاق بالعناصر يتيح لإيران القدرة على زيادة عدد الضربات بأقل المخاطر، مقارنة بإطلاق النار من أراضيها أو باستخدام عناصر إيرانية. وقد وفرت المعلومات الاستخباراتية لقيادة القوات العسكرية بالمنطقة، حزمة متنوعة عن هذه الأذرع المشار إليها منها:
اليمن، فمنذ أن اندلعت الحرب الراهنة فى اليمن عام 2015، دربت إيران الحوثيين على كيفية إنتاج صاروخ مدفعى من طراز «بدر ـ 1B» بمدى 150 كيلومترًا، وكيفية تحويل صواريخ «SA- 2» إلى صاروخ «قاهر-1» بمسار حر، وبمدى 250 كيلومترًا. وصاروخ بديل من طراز «قاهر-M2» (ما يعادل الصاروخ الإيرانى «توندار 69») بمدى 400 كيلومتر. كما أرسلت نسخة عن صاروخ «قيام - 1» البالستى القصير المدى، الذى يسميه الحوثيون «بركان 2H-» بمدى ألف كيلومتر. كما صنعت «مجموعة الشهيد باقرى الصناعية» الإيرانية، هذا الصاروخ بشكل خاص كى يتمكن الحوثيون من ضرب الرياض ومدن سعودية أخرى. ونقلت الأمم المتحدة مؤخرًا أن إيران زودت المتمردين، بمعدات لإنتاج المؤكسد المستخدم فى هذه الصواريخ البالستية القصيرة المدى العاملة، بالوقود السائل وذات المدى الأبعد.
سوريا، زودت إيران القوات فى سوريا بصواريخ جاهزة، وبالقدرة على إنتاجها بما فيها صواريخ «إم - 600» يصل مداها إلى 300 كيلومتر. لذلك ففى العام 2013 تردد أن إسرائيل ضربت مستودعًا مخفيًا، من صواريخ «إم - 600» بالقرب من دمشق. وبحلول عام 2018، كانت إيران قد نشرت منشآت تصنيع ومنصات إطلاق وذخائر فى سوريا، مما دفع القوات الإسرائيلية إلى استهدافها. وردًا على ذلك، أطلق وكلاء إيران عشرات الصواريخ على إسرائيل فى مايو 2018، فضلًا عن صاروخ ثقيل ربما يكون هو ذات الصاروخ «إم - 600» فى يناير 2019. كما فى لبنان، يعود تزويد إيران لـ«حزب الله» اللبنانى بالصواريخ البالستية، التى تعتبر أبرز سلاح تمد به إيران وكلاءها، إلى عقود طويلة. فمع حلول عام 2006، كان الحزب قد بنى ترسانة تضم حوالى 12 ألف صاروخ، أبرزها صواريخ قصيرة المدى. إلى جانب بضع مئات من صواريخ المدفعية «فجر- 5» التى يصل مداها إلى 75 كيلومترًا. وصواريخ «زلزال - 3» بمدى 300 كيلومتر، وصواريخ سورية من طراز «إم - 600». وتعد الأخيرة نسخًا من الصواريخ الإيرانية، «فاتح - 110» بمدى 300 كيلومتر. خلال «حرب إسرائيل عام 2006 مع لبنان، أطلق «حزب الله» حينها ما يقرب من «4000 قذيفة» عبر الحدود. وتشير التقديرات الحالية إلى أن ترسانة الحزب من الصواريخ طويلة المدى تبلغ فى الوقت الراهن، بضعة آلاف. وأن ترسانته من الصواريخ البالستية القصيرة المدى تصل إلى بضعة مئات، علما بأنه أضيف إلى بعضها مؤخرًا ميزة التوجيه الدقيق وزرعت فى مناطق مأهولة بالسكان المدنيين.
عن غزة، ذكرت المعلومات الأمريكية أن إيران زودت حركتى «حماس» و«الجهاد الإسلامى»، بالصواريخ وبالقدرة على إنتاجها وإصلاحها محليًا، بما فيها صواريخ «فجر - 5» التى تعرف أيضا باسم «إم – 75»، بمدى 75 كيلومترًا. جدير بالذكر أنه تم إطلاق هذه الصواريخ من غزة باتجاه تل أبيب الشهر الماضى، كما أُطلق وابل من هذه الصواريخ ذات المدى القصير على إسرائيل فى 4 و5 مايو. أما فى العراق فهذا يحتاج إلى تفصيل وحده، وهذا ما سنتناوله الأسبوع المقبل باذن الله.