الشيطان يعظ
أفيخاى أدرعى صار الكثيرون يصدقونه وينتظرونه ليستمعوا له وينصتوا بإعجاب وانبهار وصاروا يستقون معلوماتهم ويكونون من خلال أحاديثه رؤاهم وانطباعاتهم
يجسد الصهيونى أفيخاى أدرعى وبشكل مذهل، رواية نجيب محفوظ الدرامية «الشيطان يعظ»، ويطل علينا بين الحين والآخر بأريحية يحسد عليها.. بعد أن صُدر لنا من الكيان الصهيونى بشكل معلن ودون أى مواربة أو حتى مداراة وبدون أدنى حذر.. يخاطبنا ويخطب فينا، وكأنه خطيب الأمة المفوه بل وكأنه ولى حميم.. يحدثنا بعربية سليمة حتى صار له جمهور من المتابعين بل والتابعين، وبالتالى تكونت له مصداقية تراكمية!
الصهيونى الذى زُرع بيننا علنًا دون أى جهد أو محاولات للتخفى.. صار الكثيرون يصدقونه وينتظرونه ليستمعوا له وينصتوا بإعجاب وانبهار، وصاروا يستقون معلوماتهم ويكونون من خلال أحاديثه رؤاهم وانطباعاتهم وآراءهم ووجهات نظرهم فى أمورهم وشئون بلادهم هم، بل وشئون البلاد المحيطة بهم، عبر ذلك الإنصات الطائع الوشيك لضابط الجيش الصهيونى.. وتم كل ذلك بمنتهى السلاسة وبدون أدنى جهد من ناحيته أو ممانعة من جانبنا فى ظل عصر السماوات المفتوحة والعوالم الافتراضية وتداول الآراء والمعلومات، أما عصر الذبذبات والراديو وشبكاته والحبر السرى، فصار إرثًا ومادة للدراما الكوميدية.
ويحدثنا الفقيه الصديق الناصح لنا دومًا أفيخاى، عن أعدائنا ويحذرنا منهم ويعظنا باعتباره العارف بما هو أنسب لنا وأصلح.. ويطل علينا دومًا بزيه العسكرى ومن تحته مرتديًا أيضًا عمامة الشيخ أو أمير المؤمنين والملا الفقيه الذى لم يدع أنصاره-المطالبين بتداول السلطة والدولة الدينية المدنية فى مصر- الهتاف بالطبع ضد حكم العسكر فى إسرائيل.. رغم أن الجيش الإسرائيلى هو اللاعب الأساسى فى الشأن الإسرائيلى الداخلى، وهو بالطبع الذراع الباطشة التى تحقق للنظام الاستعمارى كل خططه الآنية والمستقبلية بما فيها بالطبع ميوله التوسعية الإمبريالية من خلال فنونه الإبداعية فى القتل والذبح والإبادة وهدم البيوت، واعتقال أفراد الشعب بل وضرب وسحل القساوسة والرهبان فى أورشليم المقاومة.. ورغم كل ما سبق لم أسمع صوتًا معاديًا لذلك الكيان الغاشم فى الداخل يضاهى فى استبساله وتفانيه صوته المناهض للنظام الداخلى.
وبالتالى يراقبنا أفيخاى ويشهد علينا ونحن نتصارع ونتقاتل ونتراشق فيما بيننا، ونستهلك وقتًا وعمرًا وطاقات نهدرها طواعية فى الصراخ والعويل من فوق أرضنا المحررة من ذلك الاحتلال الصهيونى الذى يحتل الإنسان اليوم من الداخل بل ويسكن فى عقله، ويداعب وجدانه بأحلام كاذبة.. فيسخر المناضل المشمئز من الأوضاع فى الداخل أكثر مما يشمئز من لون ورائحة الدم الذى يسيل ليلًا ونهارًا جهارًا على يد العسكر الصهيونى.. وفى نهاية المشهد الميلودرامى المأساوى يظهر علينا أفيخاى المنتصر فى حربه التشويشية عبر وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة، لينير لهؤلاء طريقهم وليرشد الآخرين أيضًا إلى طريق بل طرق جديدة للتطاحن والاقتتال فى مناسبات شتى.. فنراه سارقًا تارة لتراثنا وأغانينا، طعامنا وشرابنا وأشياء أخرى جميعها لا تشترى.. فيصدق من يريد أن يصدق أن تلك الأشياء لجيش وشعب أفيخاى المختار لا لنا.. حالة الانبطاح للصهاينة فاقت الوصف وجاوزت كل قدراتنا على الاحتمال والوصف وجاوزت المدى.
وأخيرًا وليس آخرًا.. أطل علينا العسكرى الصهيونى بزيه المتعارف عليه ليعظنا من جديد، نعم فالشيطان دومًا ما يعظ، العسكرى الصهيونى يعظ الأمة الإسلامية من أجل نصرة الإسلام وتخليصه من البدع ومن خطر الشيعة، مستشهدًا فى عظته ليلة عيد القيامة بالإمام محمد بن عبدالوهاب مؤسس الوهابية والإمام ابن تيمية مؤسس السلفية الرجعية الجهادية لينقذ العسكرى الصهيونى أمة محمد وأمة الإسلام، بوصفه العارف والمحتكر لصحيح الإسلام.. فيصير اليهودى المتصهين قائدًا عسكريًا للفرقة الناجية من المسلمين الناجين من النار بحرق مساجد الشيعة والقضاء عليهم وعلى النصارى «هكذا يسميهم أفيخاى»، ليتبقى نوع وفريق واحد من الإسلام الذى ستحاربه حتمًا إسرائيل لاحقًا.. فالأيام دول.
وفرقة أفيخاى العسكرية الناجية من النار على أهبة الاستعداد دومًا، وفى انتظار صفارة الانطلاق وساعة الصفر التى أطلقها وقررها فى عهد ليس ببعيد جيش مصر المنتصر الذى استرد أرضه وسيادته.. والآن يريد جيش أفيخاى الثأر لهزيمته النكراء منذ أكثر من أربعين عامًا، لكنه ما زال منشغلًا بإبادته للشعب الفلسطينى الأعزل المقاوم الذى لم يستسلم.. وبالتالى تقوم وتنوب عن دوره القبيح القذر فى الخارج اليوم مرتزقة داعش التى مرنت نفسها فى ليبيا والعراق وسوريا، وبالطبع مارست أيضًا مناوشاتها فى سيناء من خلال ذئابها المنفردة، واستقطاب البعض منهم من الداخل استعدادًا للحرب الكبيرة المنتظرة وجزئها الأول يتم الآن فى الواقع الافتراضى وأقصد به حرب الفتن والقلاقل التى تفسد وتدمر العلاقات الإنسانية فى المطلق وتفسد الضمائر والبصائر والذمم، وتلك هى شيم الأعداء دومًا واستراتيجية الكيان الذى يريد الاستيلاء على ما سيتبقى من أشلاء وأشباه البشر والشعوب.
نعم الشيطان يعظ.. هكذا علمنا محفوظ والآن الصهيونى يعظ.
يعظك لتقتل أخاك.. كما قتل قابيل أخاه منتشيًا فرحًا. لقد صنع الصهاينة حماس ثم صنعوا داعش كما سبق وصنع لنا الاستعمار البريطانى كيانًا صهيونيًا دينيًا أسمى نفسه بـ«أرض الميعاد»، وأنشأ لنا أيضًا جماعة صهيونية اشتهرت إعلاميًا باسم جماعة «الإخوان المسلمين» وتكمل أمريكا اليوم مسيرة الشيطان.. ويسهم الجميع وبطواعية مبهرة فى شيطنة الجميع لصالح الشيطان الحقيقى الذى صار ملاكًا وديعًا يتلون على هيئة أفيخاى تارة وعلى هيئة زعيم القاعدة تارة وزعيم داعش تارة أخرى. أما بهلوان الكوكب أحادى القطب، فهو دومًا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والذى يجلس على قمتها اليوم وريث لينكولن الذى أضاع إرثه الحضارى والإنسانى فى تحرير العبيد، وخلق حلمًا صوريًا لعالم جديد للحالمين.. حلمًا صار كابوسًا عنصريًا استعاد عهود الاستعباد والاستعمار المستبد على يد يوجينى لا يخجل يدعى الرئيس دونالد ترامب.