"رفعت جبريل" مخابراتى أوصل جاسوس الصاعقة للإعدام
عرف نوعية الحبر المستخدم في المراسلة بين رئيس أركان الصاعقة مع الموساد، وقرر القبض عليه سريعًا لخطورة موقعه، فقد كان ضمن الضباط الذين سيعرفون موعد حرب أكتوبر "ساعة الصفر" باعتباره عضو في "غرفة العمليات"، كما كان مرشحًا فنيًا على الفريق الذي سيقوم بقطع الأنابيب النابالم التي زرعتها إسرائيل بطول خط بارليف.
يقول الدكتور ياسر ثابت، في كتابه "أهل الضحك والعذاب"، بداية الواقعة عندما ذهب ضابط المخابرات رفعت جبريل إلى اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية، وجلس معه، وشرح له حصول جهاز المخابرات على وقائع تثبت أن المقدم فاروق الفقي رئيس أركان الصاعقة يعمل مع جهاز الموساد.
عندها تم التواصل باللواء نبيل شكري قائد الصاعقة، الذي سأل ضابط المخابرات هل لديك أدله أم لا؟ وأجاب الأخير بالطبع، وقال شكري ردًا على ذلك يمكنك الشك فيا أنا شخصيًا ولا تشك في الفقي، فهو شديد الوطنية ويعمل باجتهاد، رفض القائد شكري أن يتصور حدوث خيانة بين أحد ضباط مكتبه، خاصة أن المقدم فاروق يعمل معه منذ تسع سنوات، بل وقرر أن يستقيل من منصبه إذا ظهر أن رئيس مكتبه جاسوس للموساد.
بعدما انتهي النقاش، رفض "نصار" خروج "شكري" من مكتبه إلا بعد القبض على "الفقي"، وتحدث مع اللواء حسن عبد الغني نائب مدير المخابرات الحربية، وذهب "جبريل" معه وأرسل إلى سويتش القيادة يطلب حضور "فاروق"، على أساس أن هناك لجنة عمليات وسيرسل إليه سيارة لإحضاره حتى تسير الأمور بشكل طبيعي، وعندما دخل "فاروق" إلى مكتبه كان اللواء حسين عبد الغني ينتظره جالسًا خلف مكتبه بوجه صارم وعينين قاسيتين، فارتجف رعبًا، وقد جحظت عيناه وقال في الحال "هو أنتوا عرفتوا".
اقتيد "الفقي"، إلى المخابرات الحربية للابتعاد عن حساسية المخابرات العامة، وبدأ التحقيق معه، ولم يستغرق التحقيق سوى دقائق، لأن المعلومات لدى رجال المخابرات مستوفاة.
وعند تفتيش شقته، أمكن العثور على جهاز اللاسلكي المتطور الذي يبث من خلاله رسائله، وكذا جهاز الراديو ونوتة الشفرة والحبر السري الذي كان داخل زجاجة دواء السعال، وضبطت أيضًا عدة صفحات تشكل مسودة بمعلومات مهمة للغاية معدة للبث، ووجدت خرائط عسكرية بالغة السرية لأحشاء الجيش المصري وشرايينه، تضم مواقع القواعد الجوية والممرات والرادات والصواريخ ومرابض الدفاعات المهمة.
خلال استجواب "الفقي"، اعترف أن هبة سليم التي تقيم في فرنسا بداعي الدراسة في السوربون، هي التي قامت بتجنيده بتوجيهات من الموساد، وأن "هبة" روت ذات يوم لضابط الموساد الذي كان مسؤلًا عنها عن المقدم المهندس فاروق عبد الحميد الفقي الضابط في الجيش المصري، ومطارته الساذجة لها في أروقة نادي الجزيرة وخارجه، وهو يرجوها أن تحس به لكنها كانت قاسية عنيفة في صده.
وطار الضابط الإسرائيلي من الفرح عند سماعه تلك الجمل، وطلب منها تجنيده مهما كان الثمن، وعندما اكتشفت المخابرات الواقعة تمكنت من إعادتها للقاهرة، وبعد محاكمة المتهمين نالت "هبة" حكمًا بالإعدام شنقًا رغم ضغوطات الرئيس الأمريكي هنري كيسنجر على السادات، وفي يوم حديث كيسنجر عنها، أما "الفقي" فتم إعدامه رميًا بالرصاص باعتباره عسكريًا.
يقول "جبريل" عندما ذكر المشير أحمد إسماعيل عندما أبلغ السادات بهذه المعلومات عقب نجاح العملية، فرد عليه الرئيس بهذه المعلومات لولا هذه العملية لاستطاعت إسرائيل القضاء على القوات المصرية في أول ساعة من الحرب، ولا أنسى أبدًا أن "الفقي" كان لديه قناعة تامة بأن الموساد سينقذه حتى وهو في طريقه لإطلاق النار عليه، تنفيذًا لحكم الإعدام ضده رميًا بالرصاص، لكن بعد وضع القناع الأسود على رأسه اهتز وخارت قواه تمامًا.
رفعت جبريل قائد عسكري، شغل منصب وكيل أول جهاز المخابرات العامة، وشغل قبله منصب رئيس هيئة الأمن القومي، بدأ حياته العملية ضابطًا في الجيش المصري في سلاح المدفعية، وانضم إلى تنظيم الضباط الأحرار قبيل ثورة يوليو.