عبدالوهاب داود يكتب: عن رامي وصلاح وطوابير "الندابين"
فاز الشاب الجميل المجتهد رامي مالك بجائزة أوسكار أحسن ممثل، ففرحنا، واحتفلنا، وبحثنا في صوره وحواراته عن ما يؤكد مصريته، ويحتفي بها، ووجدنا الكثير من الحكايات، والأماكن والصور التي تساعدنا على الفرح بابنٍ جديد، يحقق إنجازًا جديدًا، إلى جانب ابننا المحبوب محمد صلاح، نجم نادي ليفربول، وأسطورة كرة القدم الذي لم يحرز أهدافًا "بقى له مدة"، وزادت فرحتنا بكلام ابننا رامي عن أم كلثوم، وعبدالحليم، وعمر الشريف، والثقافة والفنون في مصر، ومركزيتها في الشرق الأوسط، بل وانتشينا ونحن نسمعه يردد كلمات باللغة العربية، وإن جاءت عربية مكسرة، تغلب عليها اللهجة الخوجاتي، وقلنا وماله، ماهو طول عمره عايش بره، وحياته كلها في أمريكا، عادي يعني، ابننا "وكل اللي ييجي منه حلو".
لكن الملفت وسط هذه الحالة من "التنشق على فرحة"، هو ذلك الظهور غير المفاجيء لطابور البؤساء، والتعساء، من عواجيز الفرح، والندابين الذين لا يرضيهم أن تفرح مصر بأي إنجاز، ولو كان مجرد هدف كرة قدم في مرمى فريق بريطاني أو أوروبي، ولو كان مجرد جائزة يحصل عليها منتسب إلى حمضنا النووي لا أكثر ولا أقل، من يفتون في كل شيء، ويأتيهم العلم من حيث لا يعلمون.
في البداية قالوا لو كان عاش في مصر ولا عمره كان حقق حاجة، وكان زمانه واقف على الباب "السبكية" مستني دور، مشهد أو مشهدين، شويتين ودخلوا بنغمة "إلحق ده بيمثل دور شاذ، وبيروج للمثلية الجنسية، وهي دي الرسالة اللي عايزين يوصلوها لنا"، وغيره وغيره، "أي كلمتين في رغيف"، كلام كتير أقل ما يوصف به انه تافه ومريض، ولا يستحق الالتفات إليه، أو الرد عليه والتفاعل معه، لكن مع اتساع رقعة الأمية في مصر، وصولا إلى خريجي الجامعة، بل وحاملي درجة "د" تسبق أسمائهم، كان لابد من التوقف، والنظر، والتعليق، ومن هؤلاء ناشطة حقوقية "جميلة" تحمل لقب دكتورة كتبت ما نصه أن إن هوليوود لا تصنع نجوما، بالذات من العالم الثالث، إلا إذا كانت ستوظفهم فى أجندات سياسية خبيثة مدمرة ثقافياً، للبلاد التى جاءوا منها، بالذات بلادنا"، و"الفيلم الذى أخذ عليه رامى مالك الجائزة، هو فيلم عن الشذوذ، والشواذ، يُمجد أسلوب حياتهم"، مؤكدة أن "اختيار هوليوود لممثل مصري ليقوم بهذا الدور، ثم إعطائه الأوسكار عليه ليس صدفة، وضرب ستين عصفور بحجر واحد"، ثم تختم كلامها قائلة "كمصرية وكعربية، لا أفخر ولا أعتز بأى جائزة يمنحها الخواجة لأى مصرى أو عربى، بل أشك على الفور فى دوافع إعطائها، وفيمن استأهلها، بالذات "نوبل" و"الأوسكار"، ماذا فعل؟ وماذا لم يفعل؟".
كم من البلاهة لا حد له، وكم من الأخطاء اللغوية والإملائية التي تدخلت لتصحيحها هنا، لا لشيء إلا لأنها جزء من سياق ما أكتبه، فلا هي ولا متابعيها يستحقون الاهتمام أو التصحيح، وكم من المشاركات "الشير" وتعليقات المدح والتأييد عجيب، ما يؤكد حالة من الغباء العام، والمستقر، بطريقة لم تعد تُحتمل، فكل ما تم تداوله ليس أكثر من "كرسي في الكلوب" لمجرد استكتار حالة الفرحة، لأن ما يجهله هؤلاء، أو يتغافلون عنه، أن رامي مصري أبًا عن جد، وإن لم يتكلم العامية المصرية، بحركاته، بلفتاته، بثباته، وحبه للحياة، بجينات المحبة التي تضرب في أعماقه.
ما يجهلونه أن صلاح عاش بيننا، ولعب، وتمرن في ملاعب مصر، وقراها،، وانتقل بموهبته من نادٍ إلى نادي، حتى تلقفته أندية أوروبا، وإن نجومية عمر الشريف ظهرت هنا على شاشات يوسف شاهين، قبل أن تعرف به هوليوود، ومثلهم كثيرون.
ما يجهلونه أن رامي قدم مسيرة طويلة تضم أدوارًا مميزة، لفت الأنظار إليه بها، سواء في ثلاثية "المستذئبون"، أو سلسة أفلام "ليلة في المتحف"، ولم يأتي إلى دور فريدي ميركوري بالمصادفة، كما أنه لم يكن أول من يمثل شخصية "شاذ جنسيًا"، سبقه إليها الرائع توم هانكس في فيلمه "فلادلفيا"، وفاز عنه أيضا بأوسكار أحسن ممثل، وغيره كثير من نجوم السينما العالمية. فلا هي رسالة، ولا استخدام، ولا يحزنون.
لو كنت من أبناء مدينة سمالوط لأقمت الأفراح ابتهاجًا بابننا رامي مالك، الذي ربته اختنا نيللي في بلد غريب على الاجتهاد في عمله، والإخلاص لما يقوم به، وحب وطنه وأهله، وليذهب عواجيز الفرح إلى أقرب "بير".. مشيها "بير".