الإرهاب واللعب فى الدماغ
قامت العناصر الإرهابية عند الساعة السادسة صباح السبت الماضى بمهاجمة أحد الارتكازات الأمنية بشمال سيناء، وقامت قوة الارتكاز الأمنى بالتصدى للعناصر الإرهابية والاشتباك معها، وتمكنت من القضاء على سبعة أفراد تكفيريين، ونتيجة لتبادل إطلاق النيران تمت إصابة واستشهاد ضابط و١٤ من درجات أخرى.
لقد حان الوقت لأن نسمى الأمور بمسمياتها الحقيقية بعيدًا عن تزييف الواقع لأنّ الشعوب التى تفشل فى تشخيص أمراضها بشجاعة، تموت عادةً نتيجة تناول الدواء الخطأ، فالطبيب الأمين فى عمله لا يقبل على نفسه أن يخدع مريضه المصاب بالسرطان ويقول له إنك مصاب بالإنفلونزا، وتكمن المشكلة الرئيسية التى تدفع هؤلاء السفاحين لارتكاب جرائمهم فى الأصولية الدينية التى تتبنى تفسير النصوص الدينية بحرفيتها منزوعة من سياقها التاريخى والحضارى، والأصوليون الدينيون يقومون بالتفسير دون اعتبار لأى علوم ومعارف إنسانية، وبتجاهل واضح لكل تقدم حضارى، وبتجاوز سافر لجميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومن ثم يترتب على ذلك الترويج لبعض الأفكار التراثية البالية التى عفا عليها الزمن، والتى تتطلب عقولًا ناقدة لدحضها ورفضها والتعامل معها فى ظل سياقها التاريخى والحضارى، أما وأن يتم استدعاء مثل هذه الأفكار والأفعّال الهدامة اليوم وبتجاهل واضح ومتعمد لكل تقدم أحرزته الإنسانية على مدار القرون الماضية، فهذا تدمير للحضارة الإنسانية، ومن ثم فإن مكافحة الإرهاب تستلزم مواجهة أمنية ومواجهة فكرية، كما أن محاربة الإرهاب تتطلب قصفًا فكريًا يتزامن مع القصف الجوى، واحتياجنا فى المرحلة الحالية لمثقفين أكفاء لا يقل أهمية عن احتياجنا لجنود بواسل.
ولا سبيل للقضاء على الأصولية الدينية سوى بإحياء تراث ابن رشد، ذلك التراث الذى دفناه فى شرقنا فتخلفنا، بينما أحياه الغرب فتقدم، وابن رشد معروف بفلسفته التى شرح فيها فلسفة أرسطو، وانتصر فيها للعقل، واحتكم له فى فهم النصوص الدينية، ولجأ فى ذلك إلى التأويل الذى يزول به ما يبدو أحيانًا من تناقض بين ما يقوله النص وما نعرفه بعقولنا وتجاربنا، فإن وجدنا فى النص الدينى ما لا يتفق مع العقل وجب علينا أن نؤوله، أى نفهمه، بالمعنى الذى لا يتعارض فيه الكلام مع ما نعرفه ونثق فى صحته، ومنهج ابن رشد من شأنه أن يجعل العقل مرجعًا يحتكم له الجميع حين يختلفون فى فهم النصوص، ومن شأنه أن يعترف للإنسان بمسئوليته وجدارته بأن يختار ويفعل، ومن ثم فالإنسان فى فلسفة ابن رشد كائن حر لأنه كائن عاقل، ومن المؤسف أنه منذ أن سقط منهج ابن رشد، سقط العقل العربى، واستسلم للنقل والتقليد والطغيان، وتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية حول العالم يقتل ويذبح ويحرق لأنه محكوم بأفكار الأصوليين الدينيين وبفقه ابن تيمية الذى عاش فى القرن الثالث عشر، والذى كفر ابن رشد بسبب قوله بإعمال العقل فى النص الدينى، وهؤلاء القتلة والإرهابيون قد تجمدوا عند القرن الثالث عشر عندما اكتفوا بابن تيمية المكفر لابن رشد، ففكر ابن تيمية القائل: «بأن تأويل النص الدينى بحسب فهم ابن رشد هو بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار»، هو الأساس الذى قامت عليه الحركة الوهابية فى القرن الثامن عشر، وجماعة الإخوان المسلمين فى القرن العشرين، ومن هنا فلا حل ولا ملاذ إلا فى إحياء التراث العقلانى الذى دعا إليه ابن رشد، حيث إنه هو الحل فى مواجهة الأصولية الدينية التى رسخ لها ابن تيمية.
إذن مشكلة الإرهاب الرئيسية تكمن فى الأصولية الدينية، والعلاج الرئيسى يكمن فى تأويل النصوص وإعمال العقل.
ودون هذا العلاج فسيطال الإرهاب الجميع، لذا لا بد من محاسبة ومعاقبة كل دعاة الكراهية الذين يمارسون اللعب فى أدمغة الجهلاء!!