المانيكير الحلال
في أزمنة الرخص والمجانية تكثر الممارسات المعنية بكل ما هو عرضي وخارجي، الهوس بالقشرة ووساوس المحرمات وبكل ما هو ظاهر للعيان إنسانًا الاعتناء بالجوهر والنظر لقلوب الناس التي ينظر الله إليها ولا يعنيه ما هو ظاهر.. البواطن فقط وما تخفي الصدور هو ما ينظر إليه الله ويحاسب عليه.
حالة الهوس المليئة بالهلاوس والضلالات غذت ووحشت بل شرست رذيلة الجشع والاستغلال عند من هم على استعداد للتربح والمتاجرة بكل شيء والتجارة باسم الدين كانت ولازالت وللأسف هي التجارة الرابحة منذ العهد المعروف إعلاميًا وعرفيًا باسم عهد وعصر "الجاهلية"، حيث اخترعت التجارة بالحج والحجيج الذين كانوا يحجون للأصنام فيتربح التجار من حجهم، ونشر هؤلاء المتربحين لضلالاتهم وبما أن لكل زمن تجاره بل ولكل زمن أصنامه وتابوهاته.. فصارت لنا اليوم أصنامنا وهلاوسنا وضلالاتنا التي يتربح من ورائها الكثيرون.
كتبت مقال من قبل عنوانه "التليفون الإسلامي"، وتحدثت فيه عن محاولات ابتزاز النفس البشرية الهشة التواقة والمتعلقة بالميتافيزيقا كحل سحري -مجاني - لمشكلات الواقع.. بل مشكلات الحاضر والمستقبل، عمومًا تلك النفوس التي ترضخ وتستسلم دومًا لكافة محاولات ترهيبها وغسلها بالكامل لصالح من يبتزها ويرهبها فالتليفون الذي صار إسلاميا !! والرسائل التي يجب ان ترسلها لعشرة وإلا خسفت بك الأرض وغيرها من الخزعبلات والانتكاسات التي لا يملها مبتكريها.. والمدهش في الأمر -و ذلك هو الأفدح -انه لا يحصن ضدها من يتلقيها !!.. فيلدغ من ذات الجحر المرء مرات ومرات !! اختراع جديد طرح في الأسواق ولم يخجل أن يسوق نفسه بوصفه حلالًا بلالا وبالتالي فغيره حرام !!.
إنه "المانيكير الحلال" وبما أن كلمة "حلال" مرتبطة بالشريعة الإسلامية في الأساس فيصبح لدينا الآن "مانيكيرًا" إسلاميًا تمامًا كالتليفون الإسلامي !! ولكن ما هي يا ترى مواصفات ذلك "المانيكير" الحلال ؟؟! بالطبع لا أحد يعرف ولم يقم أحد بتحليل مكوناته واعتبر ذلك إهدار للوقت والطاقة والجهد.. فالمشكلة لا تكمن في تحليلنا لمواد ذلك "المانيكير" بل تحليل عقلية مخترعه ومتلقيه.
فمن خرج علينا بتلك اللعبة الرخيصة الجديدة والتي له فيها بالطبع مآرب ربحية يجب تحليل وتتبع العوامل التي أثرت في تكوينه وتنشئته منذ الصغر حتى صار محتالًا لا يستحي من الزج بالدين والإله وما هو حلال وحرام في موضوع "صباغة الأظافر" لتتهافت النساء المتهافتين للموت ودخول الفردوس والخلود في النعيم لشراء ذلك المنتج ووضعه على الأظافر والارتياح لفكرة أنه حلالًا وليس حرامًا ولا عيبًا فيه وبالتالي لن يفسد لهن صلواتهن وبالتالي سيقربهن ذلك "المانيكير" من الله وفردوسه والخلود في النعيم !!
فالمحتال دومًا في حاجة.. أو يعمل في تربة أو بيئة فيها أناس مشتاقون تواقون خائفون مرهبون كي تفلح على هؤلاء حيله المحتال الذي يحب الطامع المتلهف الذي سيكون وشيك الاستجابة لعرضه وبالتالي سيتحقق له مراده وما كان يصبو إليه من احتيال صار سهلًا يسيرًا بسبب كل ما ذكرته آنفًا، المحتال لن يفلح أن تيقظنا وتجاوزناه وكشفنا له حيله وألاعيبه وعزفنا عنها ولم نعيرها أو نعيره التفاتا..أما أن انبطحنا له وصدقناه وتشبثنا بما يوهمنا به سيسهل عليه حتما خداعنا فخداع الناس أسهل بكثير من إقناعهم انه تم خداعهم النفوس الخائفة الضعيفة تحب وتفضل دومًا الخداع على الحقيقة وتصبو حتمًا للتليفون الإسلامي والمانيكير الحلال لتتقرب من الله ونعيمه الأبدي !!
تديين المانيكير والتليفون.. جعلهما الوسيلة المثلى للوصول لرب العباد لقد جاوزنا اليوم شعب بابل في ضلالاتهم !! لقد صارت لدينا ضلالات وهلاوس تفوقت عليهم وفاقتهم في سذاجتها وفجاجتها أراد شعب بابل الوصول إلى الله عبر سلم اعتقدوا فيه أنه سيوصلهم لخالقهم ويتقرب المتأسلمون الآن لخالقهم بالتليفون الإسلامي ورناته المليئة بالأدعية ذات الأصوات الجافة الزاعقة وصوت الأذان الذي لم يعد يعبأ أحد لسماعه من خلال أصوات البشر الندية ومناداتهم للصلاة في المساجد.. وهي وحدها الأماكن المخصصة للصلاة.
فصار الأذان الآن يطاردنا في وسائل المواصلات وعيادات الأطباء والمستشفيات بل وفي المراحيض وعلى الأسرة التي يمارس عليها البشر حيواتهم الطبيعية ويزج بالآذان من خلال التليفون - الذي صار إسلاميًا - في كل تلك المواضع غير اللائقة أحيانًا والتي لا علاقة لها بطقوس الصلاة وممارساتها كي يثبت ذلك المسلم لنفسه بل ولغيره أنه متدين تقي ورع بدليل أن جواله يحمل رنات الأذان والأدعية الزاعقة حتى وإن كان يمارس الكذب والتدليس والتجسس والتحرش والنميمية عبر هاتفه وسلوكه العام وفي حياته العامة والخاصة.. فقد اكتفى بصوت الآذان والدعاء على هاتفه ليضمن لنفسه الجنة !! والوصول إلى الله عبر الأثير بل وعبر ذبذبات الأسلاك فالبتكنولوجيا يصل المسلم العصري لله !!
ومن ثم تفسد فطرة للإنسان وسعيه للوصول إلى الله بتقوى قلبه وسلوكه القويم وبما أن النساء في الشرق الأوسط صار عددهن ليس بالقليل ويمتلكن بطبيعة الحال قدرة شرائية وحزمة من التطلعات المكبوتة عادة في تلك المجتمعات الهشة المعنية بكل ما هو ظاهري فحسب بل ويحاسب المرء رجلا كان أو امرأة على ما هو ظاهر منه.. فيكون الملبس هو التقييم الأوحد للمرء ودرجة إيمانه وعفته فتهرول المرأة لشراء ذلك المنتج الوهمي "المانيكير الحلال" كي تتزين به وتشبع من خلاله بعض رغباتها التي قد تشعرها بأنوثتها وتقوي لديها إحساسها الظاهري بالجمال وفي نفس الوقت لا تخالف بذلك الاختراع شرع الله الذي اختزله الدجالون المرابون بدين الله واسمه في ملبس ومانيكير أضفوا عليه فتواهم بحلاله وبالتالي حرمانية غيره لتربح كفة منتجهم وتروج سلعتهم فالدين لديهم أصبح سلعة تباع وتشترى بدراهم معدودة كما يشترى المحمول وكما تشترى السبح والعباءات والطرح وكما يشتري اليوم أيضًا "المانيكير الحلال" !