الآذان المُتَرَصِّدة «2»
عرضنا فى المقال السابق لكتاب بالغ الأهمية، صدر حديثًا فى سلسلة «مكتبة الأسرة»، عنوانه «الآذان المُتَرَصِّدة: كيف يتجسسون عليك»، لمؤلفه النيوزيلندى الجنسية، المحقق فى أنظمة المنظمات الاستخباراتية، «نيكى هاجر».
مصدر أهمية هذا الكتاب، الغنى بالمعلومات والإشارات، إلى كونه يُعرّى أساليب ووسائل الدول العظمى والغربية فى السعى لإدامة هيمنتها على شعوب العالم «الآخر»، ويكشف عن أدوات «إدارة العالم»، اعتمادًا على التفوق التكنولوجى، الذى تراكمت عناصره على امتداد القرون الماضية، وبحيث منحتها ثورة المعلومات والاتصالات وسيلة جديدة ومتجددة، متعاظمة التأثير، تُمكّنها من استرقاق السمع والنظر لكل شئون عالمنا، نحن أبناء عوالم البؤس والتخلف والخرافة، كما لو كنا نحيا عراة فى حوض من الزجاج المكشوف من كل جانب، نتحرك تحت رحمتهم فى كل لحظة، بل لنقل حسب مشيئتهم، ووفق ما يتم إملاؤه علينا من أوامر وتعليمات!.
وفى هذا الوضع الملتبس، لم يعد هناك، بمعنى من المعانى، ما كان الناس يعتبرونه من الأسرار، فأنت، ونحن، حكومات وأفرادًا، كتاب مفتوح لمن يريد أن يغترف منه ما شاء من معلومات وخبايا، عن طريق التجسس الكامل على صفحات الـ«فيسبوك»، وتغريدات «التويتر»، وصور «الإنستجرام»، ومواقع «جوجل»، وحسابات الـ«جيميل»، و«ياهو»، تطبيقات «مايكروسوفت»، وغيرها. أى أن كل حركاتك وسكناتك، وأسرار غرفة نومك وكل همسات حياتك، وموقعك حتى وأنت تحدّث ولدك أو والدك، فى أى بقعة فى العالم، مرصود بخطوط الطول والعرض بتطبيقات التعرف على المواقع، «جوجل ماب أبلكيشن»!. إنها نوع جديد من الاسترقاق والعبودية الحديثة، يمكن أن نسميها، دون تَزَيُّد: «العبودية التكنولوجية»، وهى أخطر ما مر على البشر من أنواع العبوديات، وأكثرها تدميرًا وتخريبًا!.
وكما ينطبق هذا الأمر على الأفراد ينطبق على النظم والدول والجيوش والحكومات، ولا يقف ذلك عند حدود تجسس الأجهزة على أسرار المعارضين والخصوم داخل حدود الدولة وحسب، وإنما امتد الأمر إلى التجسس على اتصالات الإنترنت التى تجرى عبر الدول بواسطة نظام مراقبة دولى اسمه «Prism برزم»، والأدهى أن تتم «شرعنة» هذا الإجراء الذى يشبه أفعال اللصوصية وجرائم القرصنة، بـ«سن قوانين فى العديد من الدول تطلب من شركات الاتصالات والإنترنت أن تقوم بإنشاء بوابات خلفية وثغرات فى البرمجيات أو الخدمات التى تقوم بتوفيرها، لتسمح لوكالات الاستخبارات بالاطلاع على قواعد بيانات المنتفعين من خدماتها، وتُعرف هذه العملية بـ«التجسس المشروع»!.
ولذلك فليس من المستغرب، كما يشرح الكتاب، أن يمر معظم خطوط الاتصالات الدولية والإنترنت على أراضٍ، إما بريطانية أو أمريكية، لماذا؟ لأنها، كما أشرنا سابقًا، تخضع للتنصت والفرز، عبر منظومة تكنولوجية فائقة القدرات للمراقبة، اسمها «Echelon إتشلون»، يُشرف عليها تحالف مكون من أمريكا وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا، تقوم بالتجسس على دول عديدة، منها: روسيا والصين وفيتنام واليابان والأرجنتين وسائر دول جنوب المحيط الهادى، بل إن عمليات الاختراق لم تستثن حتى الدول الحليفة مثل فرنسا وغيرها!.
أما دولنا وشعوبنا، المغلوبة على أمرها بسبب تخلفها وتبعيتها، فقد أوكل أمر التجسس على اتصالاتها، فى معظمه، إلى البريطانيين، حيث «تخصصت قيادة الاتصالات الحكومية البريطانية فى التجسس على منطقة الشرق الأوسط»، من خلال موقع بريطانى سرى يقع فى جزيرة قبرص، (المستعمرة البريطانية السابقة)، يقوم باختراق روتينى ممنهج عبر عمليات مراقبة ضخمة تستهدف خطوط الإنترنت البحرية التى تخدم هذه المنطقة!.
ويلفت الكتاب النظر إلى ضلوع الدولة الصهيونية فى هذا النشاط الخطير، عبر آليات عديدة، منها قاعدة «أوريم» الواقعة فى صحراء النقب. فماذا نحن فاعلون؟ (يتبع).