قاضية مبدعة
أصدرت قاضية مسيحية لبنانية حكما نادرا من نوعه على ثلاثة شبان مسلمين فبراير الماضى، حيث إن الشبان الثلاثة المسلمين كانوا قد أساؤوا لمريم العذراء، فبدلًا من أن تزج بهم القاضية فى السجن بتهمة ازدراء الدين، ألزمتهم بحفظ آيات من القرآن الكريم تمجّد العذراء وابنها السيد المسيح، وهذه الآيات وردت برابع أطول سورة فى الكتاب الكريم، هى «آل عمران» المكونة من ٢٠٠ آية، وألزمتهم بحفظها عن ظهر قلب.
هذا الحكم أثار ضجة إيجابية كبرى فى لبنان، ولاقى استحسانا من أعلى المستويات، أصدرته قاضية التحقيق فى مدينة طرابلس، جوسلين متى، وتأثر به رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى، فأسرع إلى منصته فى «تويتر» وحياها بتغريدة على تويتر، إلى جانب كلمات كتبها رئيس الوزراء الأسبق، نجيب ميقاتى، فى حسابه «الفيسبوكى».
والمعروف عن «سورة آل عمران» احتواؤها على آيات، يخص بعضها السيدة مريم والسيد المسيح، بدءا بشكل خاص من الآية ٣٣ الى الآية ٥٩ من السورة، ومنها ما نقرؤه فى الآيتين ٤٢ و٤٣ «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبِّكِ وَاسْجُدِى وَارْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)».
كما ورد فى الآيات من ٤٥ إلى ٤٩: «إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولًا إِلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّى أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِى الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩).
ثم تأتى بعدها آيات غنية بتمجيد «رسول المحبة والسلام» ومنها: «إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَىَّّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)».
وبهذا الحكم الإبداعى الذى أصدرته هذه القاضية الحكيمة أرادت أن تقول إن القانون مدرسة وليس سجنًا فقط.
والقاضية جوسلين متى، هى من بلدة «عمشيت» البعيدة فى الشمال اللبنانى ٣٧ كيلومترا عن بيروت، وحين مثل أمامها الشبان الثلاثة «بتهمة إهانة الأديان» لم تجد أفضل من أن تطلب منهم حفظ قسم من القرآن الكريم من سورة آل عمران ليتعلموا تبجيل الدين الإسلامى ومحبته للسيدة العذراء، والسيد المسيح. وهى قالت إن القانون مدرسة وليس سجنًا فقط، وفق تعبيرها عند لفظ الحكم على من لم تطلق سراحهم إلا بعد أن سمعت كلا منهم يقرأ الآيات غيبا أمامها.
ومن الذين تأثروا بحكمها، كان وزير الدولة لشئون مكافحة الفساد اللبنانى، نقولا توينى، فوصفه بالحكم الحضارى، وقال فى تصريحه فى وسائل إعلام محلية: «نهنئ القاضية عليه، كما أن هذا الحكم يعتبر قرارا تأسيسيا يفتح مجالات قضائية مبتكرة لمعالجة المشاكل الاجتماعية وحالات التعصب الدينى».
تحية إجلال وإكبار للقاضية اللبنانية جوسلين متى.