لمن تُدق الأجراس؟
شدَّ انتباهى، فى الفترة الأخيرة، وأنا أتابع الأوضاع فى الأرض الفلسطينية المحتلة، تواتر الأنباء حول صفقات تسلح إسرائيلى جديدة، من حيث الكم والنوع والكلفة، تسعى إسرائيل «المُدَلَّلة»، إلى إبرامها، مع الأب «الروحى» الأمريكى، ودول الغرب المتقدمة فى صناعات السلاح وأدوات الحرب والدمار.
الأخطر فى هذا التوجُّه يأتى فى مجال طائرات القتال والعدوان، فائقة القدرات، حيث تسعى «إسرائيل»، دعمًا لسلاحها الجوى، إلى إبرام «صفقة ثلاثية»، مكوناتها الرئيسية تشمل: سرب طائرات مقاتلة، وسرب طائرات هليكوبتر للنقل، وعددا من طائرات التزويد بالوقود الحديثة، والمُبَرِر المُقَدَّم لعقد هذه الصفقات الادعاء بأن طائرات التزود بالوقود وطائرات الهليكوبتر، التى بحوزة سلاح الجو الإسرائيلى، من طرزٍ «عتيقة»، وتتطلب الاستبدال الفورى.
المُخصص المالى لهذه العملية يفوق الـ١١ مليار دولار، أى نحو مائتى مليار جنيه مصرى، وتُعد هذه الصفقة، الصفقة الأكبر فى تاريخ «الدولة الإسرائيلية»، أما تمويلها فـ«من دقنه وافتل له»، كما يقول المثل المصرى الدارج، إذ سيتم هذا الأمر من خلال «برنامج المساعدات العسكرية الأمريكية»، مثل أغلب عمليات الإمداد العسكرى بالمعدات الضاربة والتجهيزات الفتّاكة للجيش الصهيونى.
وستتولى شركة «بوينج» الأمريكية مهمة توفير الطائرات المطلوبة، وتُعتبر هذه الصفقة هى الصفقة الأولى لـ«إسرائيل» مع الشركة، بعد عقدين من السنين، منذ أمدتها بأكثر من مائة طائرة من طراز «F-16i»، وكان سلاح الجو الصهيونى قد اقتنى، فى السنوات الأخيرة، خمسين طائرة من طرازى «F-35» و«F-35s» من صُنع شركة «مارتن لوكهيد» الأمريكية.
وفى هذا الشأن، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن إسرائيل لم تحسم أمرها بعد، فى اتجاهات التعاقد الجديدة، وتقارن بين الاتجاه لـ«شراء» سرب «ثالث» من مقاتلات «F-35» الشبحية، وبين الاكتفاء بتطوير طائرات «F-16i» بعيدة المدى.
وترى الأوساط المعنية أنه رغم اعتبار مقاتلات «F-15»، أقل تقدمًا من المقاتلات الشبحية الجديدة، إلا أنها تتمتع بميزات كبيرة فى الحروب الجوية، خاصةً مع تطويرها حسب المطالب الإسرائيلية (طراز «F-16i»)، فهى طائرة حديثة ذات قدرات كبيرة على المناورة، ومدى طيرانها أبعد، وقادرة على حمل كمية كبيرة من الذخائر، داخل الطائرة، وعلى نقاط التعليق الخارجية.
كانت «إسرئيل» قد تسلمت فى ٨ نوفمبر ٢٠١٧، طائرتين حديثتين من طراز «F-35» الأمريكية، المعروفة بـاسم «الشبح»، وهى الطائرة الأعلى سعرًا فى التاريخ، إذ يبلغ ١١٠ ملايين دولار، وتتمتع بإمكانيات متطورة للمناورة، والقدرة على تفادى أجهزة الرادار. ووفقًا لتصريحات «أفيخاى أدرعى»، المتحدث الرسمى باسم الجيش الصهيونى، فبوصول هاتين الطائرتين ارتفعت مكونات سرب المقاتلات، من هذا النوع المتقدم لدى «سلاح الجو الإسرائيلى»، إلى تسع طائرات، تتواجد جميعها بقاعدة «نيفاطيم» بصحراء النقب.
والآن، بعد إيراد هذه المعلومات يحق لنا أن نثير العديد من علامات الاستفهام، حول دواعى ومسببات وأغراض هذه الخطوة النوعية الخطيرة فى تطوير وتدريع سلاح الجو الصهيونى، وأن نطرح التساؤلات الواجبة المشروعة: لمن ستوجه هذه الطائرات؟!، ومتى، وأين ستُستخدم؟!، خاصةً أن المنطقة من حول «إسرائيل» فى حالة يُرثى لها، ولا تُشكل تهديدًا يُذكر لأمن الدولة الصهيونية، فالحروب الأهلية تستنزفها، والهجمات الإرهابية تتهددها، والحصار الأمريكى يُطوقها، وتدخلات «الإخوة»، و«الأصدقاء» و«الأعداء» لم تترك بها شيئًا على حاله.
اخترت عنوانًا لهذه السطور اسم رائعة «إرنست هيمنجواى»: «لمن تُدق الأجراس؟!»، لأنه الأنسب، والأكثر تعبيرًا فى هذه الحالة، إذ يجب ألا تغيب عن أذهاننا للحظة، أطماع ونوايا حُكّام «تل أبيب»، على نحو ما تَبَدَّى مؤخرًا، وكشفت عنه التطورات الخطيرة التى وقعت بفلسطين والمنطقة.. فلننتبه، ولنسترق السمع لدقات الأجراس من حولنا، ولندرك أهميتها ومغزاها، علَّ يكون فى هذا طوق النجاة.