ملك حكيم
يُحكى أنه منذ زمن طويل، كانت هناك مدينة يحكمها مَلِك، وكان أهل هذه المدينة يختارون الملك بحيث يحكم فيهم لمدة سنة واحدة فقط، وبعد ذلك يُرْسَل الملك إلى جزيرة بعيدة حيث يكمل فيها بقية عمره، ويختار الناس مَلِكا آخر غيره وهكذا!.
كان الملك الذى تنتهى فترة حكمه، يلبسونه أفخر الثياب، ويودعونه ثم يضعونه فى سفينة حيث تنقله إلى تلك الجزيرة البعيدة، وكانت تلك اللحظة من أكثر لحظات الحزن والألم بالنسبة لكل مَلِكْ، ووقع الاختيار فى إحدى المرات على شاب من شباب المدينة، وكان أول شىء فعله هذا الشاب أن أمر وزراءه بأن يحملوه إلى هذه الجزيرة التى يرسلون إليها جميع الملوك السابقين، رأى الشاب الجزيرة وقد غطتها الغابات الكثيفة، وسمع أصوات الحيوانات المفترسة، ثم وجد جثث الملوك السابقين عليها، وقد أتت عليها الحيوانات المتوحشة، عاد الملك الشاب إلى مملكته، وأرسل على الفور عددًا كبيرًا من العمال، وأمرهم بإزالة الأشجار الكثيفة، وقتل الحيوانات المفترسة، وكان يزور الجزيرة كل شهر ويتابع العمل بنفسه، فبعد شهر واحد تم اصطياد جميع الحيوانات وأزيلت أغلب الأشجار الكثيفة.
وعند مرور الشهر الثانى كانت الجزيرة قد أصبحت نظيفة تمامًا، ثم أمر الملك العمال بزرع الحدائق فى جميع أنحاء الجزيرة، وقام بتربية بعض الحيوانات المفيدة مثل الدجاج والبط والماعز والبقر.. إلخ، ومع بداية الشهر الثالث أمر العمال ببناء بيت كبير ومرسى للسفن وبمرور الوقت تحولت الجزيرة إلى مكان جميل، وكان المَلِكْ مع ذلك يلبس الملابس البسيطة، وينفق القليل على حياته فى المدينة، وكان يُكَرس كل أمواله التى وُهِبَت له فى إعمار هذه الجزيرة، واكتملت السنة أخيرًا، وجاء دور الملك لينتقل إلى الجزيرة، فألبسه الناس الثياب الفاخرة ووضعوه على السفينة قائلين له وداعًا أيها المَلِكْ!، ولكن المَلِكْ على غير عادة الملوك السابقين كان يضحك ويبتسم، فسأله الناس عن سر سعادته عكس جميع الملوك السابقين، فقال: بينما كان جميع الملوك منشغلين بمتعة أنفسهم أثناء فترة الحكم، كنت أنا مشغولًا بالتفكير فى المستقبل، وخططت لذلك، وأصلحت الجزيرة وعمرتها حتى أصبحت جنة صغيرة، يمكن أن أعيش فيها بقية حياتى فى سلام وسعادة.
هذا هو الإنسان الحكيم، لم يدع مباهج اللحظة الحاضرة تغنيه عن التفكير والتخطيط للمستقبل، فالحكيم هو من يخطط للمستقبل، وكذلك هو من يعمل لآخرته وليس لدنياه فقط، العاقل من يكنز لنفسه كنزًا فى السماء، حيث لا يفسده السوس والصدأ، فما رأيك عزيزى القارئ؟!.