التكنولوجيا والتسويق السياسى «1»
العلاقة بين السياسة والتكنولوجيا علاقة وطيدة ومُرَكَّبة، وعادة ما يتم تناولها من زوايا عديدة، تبحث عن التأثير المُتبادل لكل منهما على الآخر، منذ أن استخدمت السياسة التكنولوجيا، (كالصحيفة والكتاب، والمنشور، والراديو، والتليفزيون.. إلخ)، للتأثير على الرأى العام، ولتوجيه عمليات صناعة القرار، ولصياغة توجهات الجموع، على النحو المعروف، وقد تصاعدت وتيرة التداخل بين السياسة والتكنولوجيا مع التطورات الهائلة لثورة المعلومات، والتقدم المذهل لأجهزة الكمبيوتر وبرامج التواصل الاجتماعى، وانخفاض كلفتها، على نحو لا يحتاج لتفصيل.
أدى هذا التطور إلى كثير من النتائج، أكدت أن تأثير وسائل التواصل الحديثة على الأجيال الجديدة، فى العالم أجمع، هو تأثير غير منكور، ولا يمكن تجاوزه أو التقليل من آثاره.
فحسب الإحصاءات الحديثة، وفقًا لـ«الاتحاد الدولى للاتصالات»، وصل عدد المشتركين فى خدمة الإنترنت ذات النطاق العريض (التى يتم نقل بياناتها عبر كابلات الألياف البصرية)، إلى ٤.٣ مليار شخص، بنهاية العام الماضى، وقد أظهر تقرير آخر أن ٨٣٠ مليون شاب حول العالم يستخدمون الإنترنت، بما يمثل ٨٠٪ من شباب ١٠٤ بلدان. وتُظهر بيانات عام ٢٠١٧ أيضًا زيادة كبيرة فى اشتراكات الإنترنت تتقدمها الصين، وهناك أكثر من ٣ مليارات شخص ينشطون على شبكات التواصل الاجتماعى فى العالم (فيسبوك، تويتر، إنستجرام، واتس آب)، فيما تجاوز عدد مُلاك الهواتف المحمولة الـ٥ مليارات شخص، منهم ما يقرب من ٣ مليارات يستخدمونها لتصفح شبكات التواصل الاجتماعى.
ومعنى هذه الأرقام، الآخذة فى التزايد الأُسِّى مع مطلع كل شمس، أن التفاعل مع هذه الأدوات الحديثة، من أجل التأثير على أفكار ووعى الجموع، وبالذات الأجيال الجديدة منها، أصبح أمرًا واجبًا، وضرورة حتمية، لمن يريد التواصل مع القاعدة الجماهيرية العريضة، يستوى فى ذلك: رجل السياسة، أو المثقف، أو المُنتِج الذى يسعى لترويج بضاعته، أو تسويق فكرته، على كل المستويات.
ويزيد من ضرورة انتهاج هذه الأساليب عزوف الأجيال الجديدة فى بلادنا عن القراءة، لأسباب عديدة، منها عُقم نظم التعليم، وبؤس وسائل التوجيه الفكرى لدينا، ونسبة الأمية الكبيرة، وارتفاع ثمن الكتاب.. إلخ. بل إن توزيع الجرائد شهد هبوطًا شديدًا، وخطرًا، فى السنوات الأخيرة، حيث لا يتجاوز عدد الموزع من كل الصحف اليومية المصرية، نصف المليون نسخة، فى بلد تعداده مائة مليون مواطن، وكانت صحيفة واحدة فى الماضى توزع ضعف هذا العدد.
وقد تنبه إلى خطورة هذه الظاهرة، الباحث الشاب المتميز محمد سيد ريان، المتخصص فى متابعة، والكتابة عن تطور وسائل التواصل الإلكترونى.. حاضرها ومستقبلها، والذى قدَّم للمكتبة العربية عددًا من الكتب والدراسات المهمة فى هذا الشأن، منها: «الحملات الانتخابية الإلكترونية»، و«الإعلام الجديد»، و«الفيسبوك والثورة المصرية»، و«الصورة التى تحرك الملايين»، و«القراءة والثقافة الرقمية»، وأخيرًا «التسويق السياسى على الوسائط الإلكترونية».
وهذا الكتاب الصادر حديثًا يقدم فائدة كبيرة للأحزاب السياسية المعزولة والمُحاصَرة، وللمؤسسات الثقافية، والمراكز الشبابية، والهيئات الإعلامية، حيث يدلها على مدخل فعّال للتواصل المباشر مع جماهيرها المستهدفة، ويساعدها على الخروج من عزلتها القائمة، وبناء جسور للتواصل مع جمهورها المفترض.
جسور سهلة المنال، يسيرة التكاليف، سريعة التأثير، قادرة على تجاوز القيود والحدود، فى عالم أصبح فيه «التسويق» يشمل كل شىء: «المنتجات والخدمات، إذ يمكن أن يسوق الإنسان الناسَ والأفكار والمنشآت، وغيرهم».
كتاب مهم، يقدم مساهمة فى حل أزمة الأحزاب السياسية، ويقرب سُبل التواصل بينها وبين سائر فئات المجتمع، وبالذات الشباب، الذى يمثل ثلثى أبناء مجتمعنا اليوم، وكل المستقبل فى الغد!. (يتبع).