شارلى شابلن وأجمل عرض
يحكى شارلى شابلن، أشهر كوميدى فى تاريخ السّينما عن أجمل وأروع عرض شاهده فى حياته، فقال: عندما كنتُ صغيرًا، ذهبتُ برفقة أبى لمشاهدة عرضٍ فى السّيرك، وقفنا فى صفّ طويل لقطع التذاكر، وكان أمامنا عائلة مكوّنة من ستة أولاد والأم والأب، وكان الفقر باديًا عليهم، ملابسهم قديمة لكنها نظيفة، وكان الأولاد فرحين جدًا وهم يتحدّثون عن السيرك.
وبعد أن جاء دورهم، تقدّم الأبُ إلى شبّاك التذاكر، وسأل عن سعر البطاقة، فلما أخبره عامل شبّاك التذاكر عن سعرها، تلعثم الأب، وأخذ يهمس لزوجته، وعلامات الإحراج بادية على وجهه، فرأيتُ أبى قد أخرج من جيبه نقود، ورماها على الأرض، ثم انحنى والتقطها، ووضع يده على كتف الرجل وقال له: لقد سقطتْ نقودك!، نظر الرّجلُ إلى أبى، وقال له والدموع فى عينيه: شكرًا يا سيّدى.
وبعد أن دخلوا، سحبنى أبى من يدى، وتراجعنا من الطابور، لأنه لم يكن يملك غير النقود التى أعطاها للرجل. ومنذ ذلك اليوم وأنا فخورٌ بأبى، كان ذلك الموقف أجمل وأروع عرضٍ شاهدته فى حياتى، أجمل بكثير حتى من عرض السيرك الذى لم أشاهده. لطالما آمنتُ أنّ التربية بالقدوة لا بالتنظير.
ما قاله شارلى شابلن عن والده يؤكد على أمرين فى غاية الأهمية: الأمر الأول هو أن العظماء الحقيقيين هم من يعيشون حياة الإيثار لا الأثرة، الإيثار هو أن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته، برغم احتياجه لما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروى سواه، أما الأثرة فهى حب النفس، وتفضيلها على الآخرين، فهى عكس الإيثار، وهى صفة ذميمة فما أقبح أن يتصف الإنسان بالأنانية وحب النفس، وما أجمل أن يتصف بالإيثار وحب الآخرين.
الأمر الثانى هو أن حياة القدوة تكون أبلغ من أى كلام، فما أكثر المرات التى يقوم فيها الآباء بدور الوعاظ مع أبنائهم، وفى أغلب الأحيان لا يعيش الآباء ما يقولونه لأبنائهم، ومن ثم لا يصدق الأبناء آباءهم ولا يطيعونهم لأنهم يرونهم يقولون عكس ما يفعلون، لذا فإن حياة القدوة هى التى تكون مؤثرة فى حياة الأبناء، وصوت الأفعال أقوى من صوت الأقوال، قال أحدهم: كن تليفزيونا لا راديو لأن الناس يريدون أن يشاهدوا أخلاقا وسلوكا قويما على شاشة حياتك.. فهل أنت فاعلٌ، قارئى الكريم، حتى يشاهد الناس من حولك أجمل وأعظم عرض؟!.