كارثة غياب الإعلام الطبى فى مصر
أتحدى أن يقول لى أى متخصص فى الإعلام إن لدينا إعلامًا طبيًا حقيقيًا فى مصر، وأقول هذا الكلام بناء على تجربتى الشخصية التى تجمع بين العمل الطبى والإعلامى، لكن دعونا أولًا نعرف ما هو الإعلام الطبى، كى نتأكد أنه لا يوجد لدينا بالفعل هذا النوع من الإعلام.
الإعلام الطبى هو دراسة وممارسة التواصل بين المعلومات الصحية والترويج «حملات الصحة العامة والتثقيف الصحى»، وبين الطبيب والمريض، والغرض منه هو نشر المعلومات الصحية والتأثير على اختيارات الصحة الشخصية من خلال محو الأمية الطبية.
والسؤال هو: أين نحن من هذا؟، وكم حملة للتوعية الصحية نجحت وأثَّرت فى تغيير سلوكيات غير صحية؟، بالتأكيد نستطيع أن نعدها على أصابع اليد الواحدة على مدى الثلاثين عامًا الأخيرة، فالحملات عددها قليل وغير مؤثرة، كما ينقصها التمويل والمتخصصون فى الإعلام والتواصل الصحى.
هل يستطيع المواطن أن يحصل على معلومة طبية مبسَّطة بسهولة؟ للأسف لا، فصفحات الصحة فى أغلب الجرائد الورقية تقلصت وأصبحت تعتمد على مواضيع روتينية تُكتب بطريقة غير جاذبة، بجانب أن توزيع الجرائد الورقية قلَّ وتراجع عما كان فى الماضى.
نأتى إلى المواقع الصحفية الإلكترونية، فنجد أن الاهتمام بالمعلومة الطبية ليس بشكلٍ كافٍ، وأن الجزء المخصص للصحة به معلومات مغلوطة أو مواضيع مكررة أو أنه يتم استخدام عناوين براقة لجذب القارئ، دون وجود محتوى قوى أو مكتوب بشكل علمى.
بجانب ذلك، لدينا الموضوعات الإعلانية والتقارير المدفوعة، فتجد بعض الأطباء يشترى مساحات إعلانية فى المواقع، وتُنشر له مواضيع دون مراجعة علمية من مختص، وللأسف، هناك قلة فى عدد المحررين العلميين أو محررى الصحة الذين يتقنون اللغات الأجنبية ويعرفون مبادئ البحث العلمى ولديهم قدرة على صياغة المادة العلمية بشكل جذاب.
وإذا انتقلنا من الإعلام الورقى إلى الإعلام المرئى والمسموع و«السوشيال ميديا»، وهى الأخطر والأكثر تأثيرًا هذه الأيام، فأتمنى أن يذكر لى أحدهم عدد القنوات والإذاعات الطبية الموجودة فى العالم العربى، فعددها لا يتجاوز ٥ قنوات، ولن نتكلم عن المحتوى لأن أغلبها ضعيف وغير مؤثر، لكونها تعتمد على مفهوم واحد وهو البرامج الطبية المدفوعة والضيوف الثابتون الذين لا يقدمون جديدًا.
من بين القنوات المتخصصة، توجد قناة حكومية تابعة لوزارة الصحة تُسمى قناة «صحتى»، أما استديو القناة فيقع داخل مقر الوزارة، كما تبث نحو ١٢ ساعة يوميًا، ولا توجد بها إعلانات، أما حملات التوعية التى تعرض عليها فهى قديمة ومنذ أكثر من ١٥ عامًا بلا تجديد، منذ أُنشئت القناة من نحو ١٨ عامًا.
السؤال هو: هل اهتم أى وزير من وزراء الصحة بإجراء استبيان حول نسب مشاهدة القناة؟ وهل هناك أى أبحاث تسويقية أجريت على كيفية تطوير المحتوى وجذب المشاهد أو كيفية استخدام القناة كأداة للتسويق السياسى للوزارة أو مواجهة وردع الشائعات فى ظل حرب المعلومات والحروب النفسية التى تشنها الدول المعادية لمصر والتنظيمات الإرهابية ضد الوطن عن طريق نشر معلومات خاطئة وشائعات مضللة عن الصحة والدواء فى مصر؟
يمكن القول إن هناك عدة أزمات كان بإمكان القناة معالجتها إعلاميًا، إذا كانت تملك كوادر قادرة على إدارة الأزمات، مثل أزمة الألبان، وأزمة نواقص الأدوية، وأزمة نقص المستلزمات الطبية، وغيرها من الأزمات العديدة التى وقفت أمامها القناة مكتوفة اليدين لأنها للأسف قناة بلا فاعلية.
وعن مواقع التواصل الاجتماعى والإعلام الطبى فى مصر، نجد أن «السوشيال ميديا» أصبحت منصة لإطلاق الشائعات ونشر المعلومات الطبية الخاطئة والترويج للدجل والشعوذة.
أما غير ذلك، فهناك قلة من الأطباء المصريين يحاولون من خلال مجهود فردى استخدام «السوشيال ميديا» للتنوير وتقديم معلومة طبية مبسطة، مثل الأستاذ الدكتور هانى الناظر، الرئيس الأسبق للمركز القومى للبحوث.
والخلاصة أننا نريد تدشين إعلام طبى حقيقى فى مصر، مع التأكيد على أنه لم يعد رفاهية، بل أصبح قضية تتعلق بالأمن القومى، فقناة «صحتى» بحاجة إلى التطوير، وكذلك صفحة وزارة الصحة على «فيسبوك» و«يوتيوب»، والأمر يستلزم أن نوكله إلى محترفين يفهمون ويدركون أهمية الإعلام الطبى وأهمية الاستثمار فيه، لتحقيق الربح المادى والمعنوى.