مراد وهبة وتكريم متأخر
أعلن المجلس الأعلى للثقافة، الأسبوع الماضى، فوز الدكتور مراد وهبة جبران بشاى، بأعلى نسبة تصويت بجائزة النيل فى العلوم الاجتماعية للمبدعين المصريين لعام ٢٠١٨، وقال الفيلسوف الدكتور مراد وهبة، عقب إعلان فوزه: «إنه سعيد بفوزه بجائزة النيل، والتى تعد أكبر جوائز الدولة التى يمنحها المجلس الأعلى للثقافة»، وقال «إنه لم يكن ليحصل على مثل هذه الجائزة إلا فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى»، لافتا إلى أنه يقدر قيمة الجائزة، كما أنه يقدر كل الأعضاء الذين قاموا بالتصويت له للفوز بالجائزة وهم ٢٦ عضوًا.
حقيقة الأمر أن تكريم الفيلسوف مراد وهبة جاء متأخرًا، ولكن التكريم الذى جاء الأسبوع الماضى، حتى وإن جاء متأخرًا فخير من ألا يأتى مطلقًا، وقد سبق أن طالبت -كما طالب غيرى- بتكريم هذا الفيلسوف المصرى العظيم، فلقد كتبت هنا فى جريدة الدستور ثلاث مقالات تحت عنوان «مراد وهبة فيلسوف معاصر يستحق التكريم» بتواريخ الإثنين ٤ أبريل ٢٠١٦، السبت ٩ أبريل ٢٠١٦، الإثنين ١١ أبريل ٢٠١٦.
وفى هذه المقالات اقتبست ما كتبه عنه الأستاذ مصطفى الفقى فى كتاب «مشروع مراد وهبة الفلسفى.. شروط التفكير ضد الأصوليات» فكتب عنه من ضمن ما كتب، «ذلك الرجل الثمانينى ذو العقلية اليقظة والضمير الحى والفكر المتقد، رغم كل محاولات تهميشه، وتجاهل دوره، واستبعاد قيمته والإقلال من مكانته، إلا أنه ظل شمعة مضيئة تقف ضد الخرافة الموروثة والأفكار المعلبة، فى محاولة للتجديد الفكرى على نحو غير مسبوق، ولقد دفع الرجل الثمن غاليًا فى كل مراحل حياته، وها هو قد جاوز الثمانين من عمره، وبدأ يزحف نحو التسعين، إلا أن الأوساط الثقافية والفكرية فى مصر والعالم العربى لم تعطه قدره الذى يستحق، لأن الرجل يطرح رؤى تعتمد على العقل وحده وتعمل التفكير دون غيره، ورغم كل ذلك التجاهل الرسمى لاسم مراد وهبة، فقد ذاع صيته فى جامعات الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا وأوروبا، وتجاوز ذلك إلى المحافل الدولية فى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وغيرهما من دول الغرب والشرق، ومن عجب أن رجلًا بحجم مراد وهبة لم يلق تكريمًا لائقًا من الدولة المصرية، فلم ترشحه هيئة علمية ولا مؤسسة فكرية لجوائز الدولة العليا التى حصل عليها تلاميذ تلاميذه، وهذا عوار فى الحركة الثقافية المصرية، وعار علينا فى ذات الوقت».
ويتساءل الفقى: «ألا تعلو قيمة مراد وهبة على عشرات ممن نحتفى بهم ونبالغ فى تكريمهم؟، وقد تذكرت المقولة المأثورة إنه (لا كرامة لنبى فى وطنه)، فمدى علمى أن اسم مراد وهبة يلقى حفاوة وتكريمًا فى أوساط دارسى الفلسفة المعاصرة فى الجامعات الغربية، خلافًا لذلك التعتيم الذى عانى منه مراد وهبة عبر رحلة العمر ومع ذلك تمكن بما لديه من أدوات فى التحليل ومناهج فى البحث من أن يخترق حواجز التهميش وأسفار الظلام ليصل إلى العقل البشرى الحر، وينال مكانته الرفيعة بلا جوائز كبيرة أو تكريم صاخب، أطال الله فى عمره ليواصل عطاءه المتميز، ويبقى لى شخصيًا معلمًا وأخًا وصديقًا».
تحية تقدير وإعزاز لفيلسوفنا الكبير مراد وهبة، السابح بأفكاره ضد تيار الأصوليات الدينية.