أغرب الحكايات عن مسجد "لا بالله" الذي دفن به الملك فاروق
هو مسجد ليس كأي مسجد فله تاريخ طويل لا يخلو من الطرافة ويبدو مثيرًا للدهشة والتأمل، وبناؤه في حد ذاته كان حدثًا متفردًا يقع ضمن دائرة العجائب التي يزخر بها تاريخنا؛ فقد شهدت مصر جملة من الحكام الذين لم تعرف الرحمة إليهم سبيلا وكانوا مثالًا في العسف والجور وكان الناس يكرهونهم فلم يزدهم ذلك إلا إصرارًا وعنادًا وكان رد فعلهم هو مبادلة الناس الكراهية والتعامل بمنتهى الكبر والغطرسة.
هذا المسجد هو مسجد " لا بالله" ويعرف اليوم باسم مسجد الرفاعي ويقع في منطقة القلعة وهو من الشهرة بمكان بحيث لا يوجد في بر مصر كلها من لا يعرفه، وقد بناه في العصر الفاطمي أحد الوزراء المستبدين وكان اسمه "ذخيرة الملك جعفر" وموقعه الجغرافي بالتحديد في تحت قلعة الجبل في أول الرميلة تجاه شبابيك مدرسة السلطان حسن.
وقال ابن المأمون في تاريخه عن "ذخيرة الملك جعفر" متولي الشرطة ما يأتي: " وجرى من عسفه وظلمه ما هو مشهور وبنى المسجد الذي بين الباب الجديد والجبل وسمي مسجد "لا بالله" بسبب أنه كان يقبض على الناس من الطريق ويعسفهم فيحلفون ويقولون " لا بالله " فيقيدهم ويستعملهم في بناء المسجد بغير أجرة ولم يعمل فيه منذ أنشأه إلا صانع مكره أو فاعل مقيد"
لذلك هجر الناس المسجد وتؤكد الروايات أن الله انتقم من جعفر ذخيرة الملك فابتلاه بأمراضٍ غريبة لم يسبق لها ذكر ولا عرفها الناس من قبل وذلك أنه أبدع في عذاب الجناة وأهل الفساد بما يخرج عن مواثيق الشرع ويخالف حكم الكتاب فعجل الله هلاكه وتجنب الناس تشييع جنازته والصلاة عليه ولم يقرب المسجد أحد من المسلمين وفي ذلك يقول الشاعر:
بنى مسجدًا لله من غير حِلِّهِ.. وكان بحمد الله غير موفقِ
كمطعمة الأيتام من كد فرجها.. لكِ الويل لا تزني ولا تتصدقي
ثم أن إرادة الله شاءت أن يسكن في أرض المسجد السيد علي الرفاعي أبو شباك ويزعم بعض الناس أنه الإمام الرفاعي الكبير المعروف بأبي العلمين وهذا خطأ فالقطب الرفاعي حفيد الحسين رضي الله عنه عاش ومات في العراق وضريحه في قريةٍ هناك تسمى "أم عبيدة" على أن السيد علي المعروف بأبي شباك له صلة نسب بالإمام الرفاعي وقد سكن أرض المسجد وتعبد لله فيها واتخذها خلوة وعلى ذلك بنيت أولًا زاوية صغيرة في نفس المكان وفيها تم دفن سيدي يحيى الأنصاري والسيد حسن شيخون شيخ السجادة الرفاعية وبالطبع دفن السيد علي الرفاعي الذي اسلفنا الكلام عنه وسميت تلك الزاوية بالبيضاء وعرفت كذلك بالرفاعية.
وفي عهد الخديو إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي رغبت أمه "الوالدة باشا" في بناء مسجدٍ كبير تقربًا إلى الله فتم هدم الزاوية وبني الجامع الضخم المعروف الآن بأحدث التقنيات المعروفة في ذلك العهد وخرج المسجد بعد بناءه آيةً في الروعة والبهاء وشاهدًا على جمال العمارة الإسلامية وعلى عظمة الفنان المصري ودقته الشديدة ومهارته التي لا يجاريها في العالم إلا قليلون.
ومسجد الرفاعي اليوم به غرفة متسعة يقع فيها ضريح شاه إيران المخلوع الذي عصفت به الثورة الإيرانية وهي ثورة قامت بها عدة اتجاهات سياسية في إيران ليبرالية ويسارية لكن المراجع الدينية استأثرت بها وجنت ثمرتها وقامت على إثر ذلك دولة الآيات وكان المصير الحتمي للشاه هو القتل لكنه فر بطائرته من طهران ولم يجد دولة واحدة توافق على استقباله في أراضيها فاستقبله الرئيس السادات وسمح له بالسكن في مصر مع أسرته وبعد عام واحد مات الشاه متأثرًا بمرض السرطان فتم دفنه في مسجد الرفاعي والذي يقع به كذلك ضريح الملك فاروق الذي دفن به عقب وفاته في إيطاليا عام 1965.
ولا يزال أبناء الطريقة الرفاعية يقيمون حلقات الذكر والحضرات في المسجد وخاصة بعد صلاة الجمعة.