شظايا «داعش».. ماذا بعد أن طالت العسكريين الروس؟
تشاركت مع رأى العديد من المتخصصين، فى تأكيد أن تنظيم «داعش» الذى تلقى هزائم مؤثرة خلال العام الماضى ٢٠١٧م. الأكثر إيلامًا كانت على أيدى القوات الكردية، المدعومة بقوات التحالف الأمريكية، والتى تسببت له فى سحب بساط سيطرة التنظيم على محافظات الحسكة والرقة ودير الزور. والبعض الآخر ـ الأقل تأثيرًا ـ جاءت أمام قوات الجيش السورى، بعد أن تدخلت روسيا لدعمه بالصورة التى جعلته يتمكن من استعادة المناطق المتفرقة التى كان «داعش» يحتفظ فيها ببعض من قواته ومقاتليه، والتى ربما تدور فصولها الأخيرة هذه الأيام فى «مخيم اليرموك»، فيما يعرف بتطهير واسترداد الحزام المتاخم للعاصمة دمشق.
ما تشاركت فيه وبدا جليًا فى الأفق خلال النصف الثانى من العام المنصرم، أن تنظيم «داعش» بعد افتقاده السيطرة على البلدات التى كان يقوم بإدارتها، ويعتبرها ملاذاته الآمنة ونطاقه الحيوى. سيتحول إلى مرحلة «تشظى» شديدة الخطورة، وسيتحرك فى نسق الإغارات الخاطفة على مناطق بعينها، وفق استراتيجيته المستحدثة التى ستمكنه ـ على الأقل ـ من تنفيذ بعض من أهدافه التكتيكية. وبقراءة بعض من تلك التكتيكات مؤخرًا، يمكن اعتبار إطالة مقاتليه لمعارك «مخيم اليرموك» كانت بغرض، إعطاء الفرصة للقوة الرئيسية لمقاتليه، أن تستقر بأوضاعها بجوار الشريط الحدودى الشمالى الشرقى لسوريا. وتحديدًا فى تلك المنطقة سيكون رهان التنظيم القادم، والمقصود بها صحراء «دير الزور» والبلدات المتاخمة للشريط الملاصق للحدود مع العراق.
منذ أيام نفذت بالفعل عناصر لـ«داعش» هجومًا مباغتًا، وقع فى منطقة تجمع للجيش السورى تضم عسكريين ومستشارين روس، غرب مدينة «الميادين» فى محافظة دير الزور. الموقع العسكرى مخصص للمدفعية السورية؛ وأسفر الهجوم عن مقتل (٤ عسكريين روس) وإصابة ٥ آخرين. وأوقع أيضًا ضحايا من قوات الجيش السورى، لكن لم يفصح الأخير عن عددهم، واكتفى بإعلان أن وحدته العسكرية رغم ما تلقته من إصابات جسيمة، استطاعت بمشاركة الجنود الروس قتل (٤٣ إرهابيًا) خلال معركة استمرت لنحو الساعة، وتمكنت أيضًا من تدمير (٦ عربات) مثبتة عليها أسلحة ثقيلة.
رئيس لجنة الدفاع فى مجلس الدوما الروسى، الجنرال، فلاديمير شامانوف، قدم وصفًا لما جرى، نقلته عنه وكالات الأنباء الروسية، حيث ذكر أن هجوم المسلحين التابعين لـ«داعش» فى محافظة دير الزور السورية، كان سريعًا ومخططًا له بشكل جيد، لذلك لم يتمكن الجيش السورى والجنود الروس من تجنب الخسائر. وقال شمانوف: «فى منطقة دير الزور، التضاريس صعبة للغاية، والهجوم المسلح مخطط له بعناية، فقد تحرك المسلحون على سيارات تويوتا عالية السرعة، ذات المدافع الرشاشة من العيار الثقيل».
ووفق توصيف الجنرال الروسى، اعتبر أن الجنود السوريين الذين كانوا فى المجموعة، والعسكريين الروس نفذوا المهام بشكل جيد. ولسوء الحظ تكبدوا خسائر فى الأرواح، لكن هذا لا يمنع أن القادة العسكريين السوريين والمستشارين والجنود الروس، رغم الخسائر حققوا نتائج جيدة فى تدريب جنود الجيش السورى.
لكن هناك رواية أخرى لتنظيم «داعش»، نشرها على منصته الإعلامية وكالة «أعماق»، وفيها الخسائر فى صفوف التنظيم أقل كثيرًا مما ذكرته المصادر الروسية، والأهم أنه يؤكد قيامه بتدمير (٣ آليات عسكرية روسية)، فضلًا عن تمكنه من أسر (٦ جنود روس) يرجح أنهم تابعون لـ«مجموعة واجنر»، وهى الشركة العسكرية الروسية الخاصة التى تقدم خدمات على أرض المعركة لصالح النظام السورى.
وما يبدو من منشورات التنظيم خلال الفترة السابقة، أن التنظيم سيعتمد خلال الفترة القادمة على أسلوب «الإغارة الخاطفة». حيث لا يتوقع أن يكون التنظيم ـ الآن ـ قادرًا على إحداث تغيير حقيقى، فى الأماكن التى وصل إليها الجيش السورى مثل تلك الأخيرة فى مدينة «الميادين» ومحيطها، خاصة أنه لا توجد منطقة يستردها النظام السورى، إلا ويكون مصاحبًا لقواته فى التمركز بها وتأمينها «قوات روسية». وهذه الأخيرة أصبحت تمتلك الكلمة العليا فى ترتيب الأوضاع الأمنية لتلك المناطق والبلدات، يتم هذا فيما هو مسترد من «داعش» أو غيرها من التنظيمات. وتنفذ تلك السيطرة الروسية بطريقتين؛ الأولى تتم عبر نشر قوات لـ«الشرطة العسكرية» التابعة للقوة العسكرية النظامية، والتى تدار من «قاعدة حميميم». والثانية تكون بواسطة مستشارين بأعداد أقل تتراوح ما بين (١٠ و٢٠) للموقع أو المنطقة الواحدة، على أن يتم دعمهم بمقاتلين روس غير نظاميين «مجموعة واجنر».
تفاصيل العملية الأخيرة تشى بأن الموقع العسكرى الذى تعرض للهجوم، يدار بواسطة الطريقة الثانية. و«داعش» عبر تنفيذه تلك العملية، يمكن القول أنه قد بدأ ممارسة عملية إنهاك وتكبيد للخسائر، فى مواجهة تلك النقاط الأمنية أو العسكرية. وهذا فصل تكتيكى قد يطول بالنظر إلى خريطة التموضع الجديدة، للقوات التى أشرنا إليها والتى بدأت فى الانتشار بطول المحافظات السورية وعرضها. فعلى سبيل المثال هناك خريطة تم الإعلان عنها مؤخرًا، تخص فقط مدينة «إدلب» وريفها، وكيفية توزيع نقاط المراقبة العسكرية حولها. وفيها وحدها كانت لروسيا ما يتجاوز (١٠ نقاط)، هذا وفق اتفاقية خفض التصعيد بـ«أستانا»، فضلًا عن مشاركة تركيا وإيران بنقاط مماثلة لكل منهما.
حرية الحركة التى لا يزال تنظيم «داعش» يتمتع بها، تهدد أطرافًا عديدة معرضة لتلقى خسائر باهظة الكلفة، فما أسهل فى ساحة مثل سوريا أن ينفذ التنظيم عمليات بمثل ما جرى فى العملية الأخيرة، وهى الأصعب فى التصدى لها، على القوات الروسية أو غيرها. وترى من سيكون بقادر على استثمار قدرات التنظيم «المتحركة» كى يوجهها، تجاه أعدائه أو من يستهدف إضعافه فى تلك المرحلة من الصراع. فهنالك كما هو ظاهر من الأحداث، تحور سريع للخطر إلى أنماط وأشكال مغايرة، لا تزال قادرة على صناعة التهديد لكل الأطراف.