رئيس العسكريين المتقاعدين يروى لـ"الدستور" ملحمة "بدر الصامدة"
"سخر الله جنوده الخفية لمعاونة جند مصر فى حربهم ضد العدوان الإسرائيلى الغاشم، وكاد الحصار والموت أن يحصد أرواح العديد من أبطال القوات المسلحة لولا لطف الله بالمصريين فى حربهم وعقيدتهم الراسخة لاسترداد كرامتهم المجروحة فى حرب 1967".. كانت تلك هى كلمات أحد أبطال حرب أكتوبر، وهو العميد سيد وهيبى، رئيس جمعية العسكريين المتقاعدين بالشرقية، وهى الكلمات التى استهل بها حديثه لـ"الدستور" فى ذكرى انتصارات أكتوبر المجيد الموافق العاشر من رمضان عام 1973.
العميد سيد وهيبى خليل من مواليد بلدة العمارة التابعة لمركز أبوحماد بالشرقية، له ثلاثة أشقاء ذكور وفتاتين، التحق بالكلية الحربية وتخرج فيها برتبة ملازم فى أغسطس عام 1973، والتحق بالكتيبة 43 صاعقة، ليبدأ رحلته مع الجيش المصرى.
ومن مذكرات الحرب؛ قال العميد سيد وهيبى إن نصر أكتوبر لم يكن وليد الصدفة، مشيرًا إلى أن التدريب المسبق والتخطيط الجيد والعقيدة الراسخة كانت أهم أسباب النصر بعد توفيق الله لقوات مصر المسلحة.
وتجلت المعجزات الإلهية فى حرب "الصائمين"، يقول العميد سيد وهيبى إنه شارك فى حرب أكتوبر وهو برتبة ملازم، وكان لم يمر على تخرجه سوى شهرين فقط، ولكنه رأى مع زملائه من تجليات الله ما يبرهن على عظمته وتوفيقه لجند مصر فى حربهم ضد الإسرائيليين.
وقال وهيبى إنه أثناء فترة حصار الكتيبة فى لسان بورتوفيق، كادت وسائل الإعاشة تنفد، حيث قارب الماء على النفاد والوجبات الخاصة بهم "التعيين" وظنوا أنهم هلكوا بعد قطع الإمداد القادم من القاهرة عن المنطقة المحاصرين فيها، ولكن كانت المفاجأة حين تفجرت بئران من المياه الصالحة للشرب بالمنطقة المحاصرين فيها، ولم ينقذ الله جنده من العطش فقط، ولكن فى صباح أحد الأيام فوجئ أفراد الكتيبة بلون داكن فى مياه البحر، ووجدوا سربًا من أسماك البورى على امتداد 100 متر من الشاطئ، فكان إنقاذًا لهم أيضًا من نفاد الطعام.
واستكمل: "كان الحصار مؤلمًا وقاسيًا حتى أنه تمت تسمية أبطال القوات المسلحة المحاصرين بـ"قوات بدر الصامدة" نظرًا لما لاقوه من عناء أثناء أشهر الحصار.
وأضاف رئيس جمعية العسكريين المتقاعدين بالشرقية إن حرب العاشر من رمضان كانت بمثابة ثأر لكرامة أبطال القوات المسلحة، فقد قضوا سنوات يحلمون بتلك اللحظة التى تمكنوا فيها من الانتصار على اليهود وهزيمتهم شر هزيمة، والقضاء على أسطورة "الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر" وذلك بفضل التخطيط والتدريب.
وأوضح أن نصر أكتوبر والعاشر من رمضان لم يكن وليد الصدفة، فقد استفاد الجيش المصرى من أخطاء هزيمة 1967، وكان النصر ثمرة تخطيط جيد وتسليح متطور وتدريب واقعى، إضافة إلى العديد من خطط الخداع الاستراتيجى التى أسهمت فى إنجاح الحرب.
وكانت الكتيبة 34 صاعقة من الكتائب المؤرقة لليهود، حيث كان لديهم 37 أسيرًا إسرائيليا، وكانت إسرائيل تود الفتك بتلك الكتيبة، وتمكن النقيب طلبة محمود إسماعيل من زرع لغم فى بداية مدخل بور توفيق، وحين تقدمت إحدى الدبابات الإسرايلية فى طريقها لأفراد الكتيبة انفجر اللغم، فظنت إسرائيل أن الطريق كله ملغم، مما أدى لانسحاب إسرائيل من السويس كاملة ومحاصرتها من الخارج فقط.
ومن بطولات الكتيبة 43 صاعقة، والتى ينتمى إليها العميد سيد وهيبى، هى أن قائد الكتيبة أرغم القائد الإسرائيلي على تسليم أبطال القوات المسلحة المصرية علم إسرائيل منكسًا، وأداء التحية العسكرية للجيش المصرى، حيث أصيب العقيد أركان حرب فؤاد بسيونى، قائد المجموعة التى تضم عدة كتائب، وحين قام الرائد زغلول فتحى، قائد الكتيبة 43 صاعقة، طلب بسيونى من زغلول فتحى أن يتسلم علم إسرائيل منكسًا، وبالفعل تم إجبار شلومو أردنيست، قائد النقطة الإسرائيلية على الاستسلام وتنكيس علم إسرائيل وتأدية التحية العسكرية للجيش المصرى، مما كان مهانة كبيرة للقائد الإسرائيلي.
وأكد أن الجيش الإسرائيلى كان فى حالة رعب من أبطال الجيش المصرى، حيث طلبوا تسلم أسراهم الـ37 بمعرفة الصليب الأحمر خوفا من قواتنا المسلحة.
وعن حرب أكتوبر قال وهيبى: رغم قسوة الظروف وعناء الصيام، إلا أن جيش مصر كانت لديه عقيدة قوية ولم يكن يأبه إلا لتحقيق النصر، وكان لكل ضابط أو مجند من الجيش المصرى بطولاته الخاصة فى الحرب.
وتابع أن وقت عبور الكتيبة التى انتمى إليها كان فى الرابعة و45 دقيقة، واستشهد أمام عينه زملاؤه، ومنهم النقيب جمال عزام، والملازم أول مصطفى عبدالسلام، وأصيب الملازم أول محمد عبد الله الركايبى، مما أدى للدفع بدعم من مدرسة الصاعقة، فجاء النقيب عبد الرءوف أبوسعدة خلفا لعزام، وملازم أول أحمد حلمى بديلًا عن الراحل مصطفى عبد السلام.
وأكمل "وهيبى" القتال بعد استشهاد زملائه، ولكن سرعان ما تم طلب قوات للتعامل مع "الثغرة"، فتم الدفع بتلك الكتيبة التى خسرت قادتها أثناء العبور.
وقال العميد سيد وهيبى: "كان التعامل مع معركة الثغرة صعبًا ومميتًا، حيث تم ضرب شبكة الدفاع الجوى المصرى التى كانت تحمى القوات، وتم الاشتباك مع قوات العدو بمدافعهم الضخمة، وعشنا أيام رعب وعذاب إلى أن أتى الله بنصره".
واختتم كلامه بأنه يخشى على شباب هذه الأيام من ضياع العقيدة والإيمان بالوطن، فلو قامت حرب مماثلة لحرب أكتوبر لن تجد العقيدة الراسخة إلا لدى القليل من الشباب، لافتًا إلى أن المقاهى وأدوات التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعى باتت هم الشباب الأول، وأصبح الشباب يتهربون من الالتحاق بالقوات المسلحة واستعجال الانتهاء منها، مما يثير القلق لدى الواعين بأهمية روح حب الوطن فى تحقيق النصر للبلاد.