قبل أن تداهمنا.. فقاعة عقارية كبرى
يمكن اعتبار بداية العام ٢٠١٥م؛ هو التاريخ الذى بدأت فيه حالة الاستقرار تطل برأسها على سوق الأعمال المصرية، وبعد فترة ركود نسبى جاءت السوق العقارية كأول الأنشطة التى التقطت الخيط، لتعاود انطلاقها فى حماية مؤشرات تدعو لضخ مزيد من الأموال كاستثمارات، باعتباره النشاط الأكثر جاذبية فى السوق المصرية بوجه عام.
منذ هذا التاريخ، وحتى الآن فى النصف الثانى من عام ٢٠١٨م، يمكن بسهولة رصد أن الدولة تبنت سريعًا فى فترة الولاية الأولى للرئيس السيسى نهج الدفع بقوة تجاه الانخراط فى مشروعات إنشائية عملاقة، قناة السويس وإقليمها وأنفاق الربط مع سيناء أمثلة لتلك المشروعات، والدخول بقوة فى تنفيذ شبكة طرق عملاقة، تعيد التخطيط الكلى لقدرات ومسار الحركة على معظم المحاور القديمة والمستحدثة. وتبقى العاصمة الجديدة ومدينة الجلالة كمشروعين طموحين، سيظل الإنجاز فيهما ممتدًا لسنوات خمس قادمة، خاصة مع التنوع الكبير فى مشتملاتهما وقدراتهما على التطور.
يمكن اعتبار تلك المشروعات، كما جاء صراحة على لسان رئيس الجمهورية، دفعًا لإنقاذ حالة اقتصادية عامة لم تكن حينها فى أفضل أحوالها، لذلك جاء فتح فرص العمل فى نشاط هو الأعلى فى كثافة العمالة، وفى الصناعات المغذية والمرتبطة. هذا النهج من الدولة بكل المقاييس، يمكن اعتباره جيدًا بل سبقتنا فيه العديد من الدول ذات الظروف المشابهة، وفى قياسات اقتصادية وتحليلات فنية لم تحظَ بإلقاء الضوء الكافى عليها، اعتبرت تلك الخطوات عاملًا مهمًا فى المساعدة على سرعة التعافى، والقدرة بذات السرعة على الانتظام داخل منظومة «إصلاح اقتصادى» كلى.
بالعودة إلى النشاط العقارى الخاص، الذى اعتبر ما سبق ذكره أهم الإشارات الإيجابية التى تدعوه للانطلاق مرة أخرى. لكننا اليوم وبعد مضى ما يقرب الثلاثة أعوام، نطرح السؤال الواجب الوقوف عنده، هل تلك الانطلاقة العقارية فى الطريق الصحيح، أم أن مشهدها العام يجعله محفوفًا بالمخاطر؟. الحقيقة أننى لا أمتلك أرقامًا حصرية دقيقة، تجيب لنا عن عدد الوحدات التى تم طرحها بالسوق خلال تلك الفترة، والتى يجب أن تكون مشفوعة بالشرائح النوعية لتلك الوحدات، فهناك الإسكان الفاخر وفوق المتوسط والمتوسط ومنخفض التكلفة، كل من تلك الشرائح له دلالته الخاصة، فضلًا عما يسهم به فى تشكيل الوضع العام للنشاط.
لكننى واقعيًا أمتلك العديد من المشاهدات، وعشرات من الحالات الواقعية، تدق معظمها ناقوس الخطر، بأن هناك تمددًا غير محدد الملامح، على وجه الخصوص فى شرائح الإسكان الفاخر وفوق المتوسط، وهما شريحتان يتراوح ثمن الوحدة فيهما بين ١٠ ملايين جنيه فى المتوسط فى حدها الأعلى، وفى الحد الأدنى منها يصل إلى مليون جنيه على أقل تقدير.
المشاهدات المباشرة والإعلانات الترويجية، تفصح بسهولة أن مدنًا مثل الشيخ زايد وأكتوبر والقاهرة الجديدة كأمثلة، بها وحدها ما لا يقل عن ١٠٠ مشروع إسكانى من النوعية الفاخرة وما فوقها. الحالات الواقعية من داخل تلك المشروعات، بدأت فى العام الحالى تتحدث عن شبح التباطؤ، الذى بدأ يزحف بهدوء، والغريب أن هذا يأتى مصاحبًا لزخم غير مبرر فى بداية مشروعات مكررة لنفس المنتج.
هناك حديث واقعى آخر، يتحدث أن نسبة السكن الفعلى فى تلك الوحدات الفاخرة متوسطها لا يتجاوز ١٠٪ من حجم المشروعات المكتملة، والحد الأقصى، فيها وهو يمثل حالات نادرة بالكاد، يصل إلى ٢٥٪.
التباطؤ المذكور على ألسنة ملاك العقارات، مصحوب بتوجس آخر له علاقة بإعادة البيع، أو القدرة على تسييل الأموال «المليونية» المدفوعة فى وحدة واحدة. كلتا الحالتين اليوم فى حالة جمود أقرب للشامل، فالشخص الذى دخل هذه السوق بغرض استثمار أمواله بشراء وحدة بنظام التقسيط، واستكمل ثمنها أو اكتمل مشروعها، ويريد بشكل اعتيادى عرضها للبيع، لحصد الربح المتوقع منها. وفى الحالة الثانية تعرضه لأى من الظروف التى تدفعه لتسييل الثمن الذى قام بتسديده، أى دون أرباح تُذكر.
أجراس الإنذار التى خرجت من حديث أصحاب أو ممثلى تلك الأوضاع، تقول إنهم غير قادرين اليوم على استرداد الأموال، فالسوق مشبعة بشكل مكثف ومتنوع، للدرجة التى تجعل هؤلاء مرغمين على الاستمرار بوضعهم الحالى، من خلال تجميد أموالهم إلى أن تحدث انفراجة، غير واضحة المعالم خاصة مع زخم المشروعات الجديدة التى تتنافس على المشترين، عبر نظام الدفع المقدم الذى لا يتجاوز الـ١٠٪ من ثمن الوحدة، والباقى على أقساط لمدد تتراوح ما بين ٧ و١٠ سنوات.
ما أثار انتباهى بشدة؛ أننى خلال بحثى عن صورة عامة للسوق العقارية، وأثناء استخلاصى بعض التجارب الدالة على تفصيلات ما يجرى، وجدتنى أمام جملة تكررت على لسان أكثر من شخص يصف الحالة ذاتها، وملخصها أن الشخص قد تقدم لشراء عقار بغرض الاستثمار، وأن الموقع الذى اشترى منه أو فيه، أصبح الآن يسمع عنه أرقامًا تضاعف الرقم الذى دفعه مرتين وثلاثًا، لكنه فى الواقع غير متيقن من هذه الأرقام، فلا هو أو أحد ممن اشترى سلفًا استطاع تحقيقه فعليًا فى عملية إعادة بيع، وهو هنا يقف فى موقف متضارب بشدة؛ ما بين اعتبار تلك الأسعار التى يستمع إليها «أرقامًا نظرية». وبين اضطراره إلى انتظار، لا يملك حتى خبراء المجال تحديد متوسطه الزمنى، أو سقفه المتوقع.
هذا حديث مبدئى للإنذار من خطر انفجار فقاعة عقارية، ربما السوق تتدحرج إليها دون ضوابط، أو خطط محكمة تضع لها الأطر الحاكمة التى توفر لها العافية والحماية، وهو حديث يدعو أهل الاختصاص لأن يقدموا لنا ما رصدوه، وتقييمهم لحالة الاستثمار فى تلك المحفظة الهائلة، التى تحوى اليوم رقمًا بالمليارات ما بين استثمارات للدولة واستثمارات خاصة.. وللحديث بقية فى الأسبوع المقبل بمشيئة الله.