التفكير فريضة إسلامية
فى كتابه «التفكير فريضة إسلامية»، يقول الكاتب محمود عباس العقاد فى الفصل الأول، المعنون بفريضة التفكير فى كتاب الإسلام، لا يذكر القرآن العقل إلا فى مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، ولا تأتى الإشارة إليه عارضة فى سياق الآية، بل هى تأتى فى كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة.
يتكرر ذكر العقل عند كل أمر أو نهى لحث المؤمن على تحكيم عقله، كما يلوم النص القرآنى كل من يهمل العقل ويقبل الحجر عليه.
العقل فى مدلول لفظه العام ملكة يناط بها الوازع الأخلاقى أو المنع عن المحظور والمنكر، ومن هنا كان اشتقاقه من مادة «عقل» التى يؤخذ منها العقال.
فريضة التفكير فى القرآن الكريم تشمل العقل الإنسانى بكل ما احتواه من هذه الوظائف، بجميع خصائصها ومدلولاتها، فهو يخاطب العقل الوازع، والعقل المدرك، والعقل الحكيم، والعقل الرشيد.
خطاب الإسلام المكلف بالتفكير هو خطاب موجه للعقل الذى يعصم الضمير، ويقابله الجمود والعنت والضلال، وليس العقل الذى قصاره فى الإدراك أنه يقابله الجنون، وهذا الخطاب هو ما ترد الآيات الحكيمة بوصف الحكمة أو الرشاد أو وصف أهله بأنهم الذين يعقلون وهم أولو الألباب.
يرافق الدعوة إلى التفكير الدعوة إلى الإقبال على العلم، أى على جملة المعارف التى يدركها الإنسان، ذلك أن التفكير لا يكون مستقيمًا صحيحًا إلا إذا قام على معرفة صحيحة.
المسلم مكلف بالتفكير وإعمال العقل فى دينه ودنياه، والجنون فقط هو من يسقط هذا التكليف ولكن الجمود والعنت غير مسقطين لفريضة التفكير.
حذر الإسلام من فساد الكهان والرهبان ورجال الدين فأسقط الكهانة، وأبطل سلطان رجال الدين على الضمائر، ونفى عنهم القدرة على التحريم والتحليل والإدانة والغفران.
أكبر الموانع فى سبيل العقل عبادة السلف، والاقتداء الأعمى بأصحاب السلطة الدينية، والخوف المهين لأصحاب السلطة الدنيوية.
خطر الحكم المستبد على الضمير الإنسانى أهون خطرًا على مصائر الشعوب من خطر الخديعة من رؤساء الأديان، لأن الحكم المستبد يتسلط على الضمير من خارجه ولا يستهويه من باطنه كما يستهويه حب السلف أو الاسترسال مع القدوة الخادعة من رؤساء الأديان. فالاستبداد قهر للعقل بغير إرادته، وهو يختلف عن الانقياد للضلال إيثارًا له ومحبة وإعجابًا للمضلين.
أن الإسلام لا يعذر العقل الذى يتنازل عن حق الإنسان فى التفكير، رهبة للقوة أو استسلامًا للخديعة، ولا حدود لذلك إلا حدود الطاقة البشرية، ولكنها الطاقة البشرية عامة، كما تقوم بها الأمم، ولا ينتهى أمرها بما يكون للفرد من طاقة لا تتعداه.
هامش: لا يوجد فرق بين المستبد الدنيوى والمستبد الدينى، كلاهما وجهان لعملة واحدة.. يستطيع الحاكم المستبد أن ينفيك، يعتقلك، يسجنك، يستطيع أن يدينك بأى تهمة، لكنه لا يستطيع أن ينزع منك يقينك.. والمستبد الدينى يستطيع أن يفرق بينك وبين زوجك، يقطع صلتك بأولادك فيحرمهم من إرثك، يستطيع أن يمنع الناس من الصلاة عليك.. لكنه فى كل الأحوال لا يستطيع أن يحرمك الجنة أو يدفعك للنار.. فالجنة والنار بيد الله.