الخاسر الأكبر.. الطفيليون راكبو أمواج النجاح
من الأمور الغريبة فى حياتنا المعاصرة أنك نادرًا ما تجد شخصًا يمدح أو يحبّذ ما يفعله شخص آخر.. إذا ذهبت إلى طبيب وأخبرته بأنك سبق وذهبت إلى آخر، تكون كلمته الأولى «انسَ كل ما قاله لك، ولا تأخذ من الأدوية التى كتبها لك»، رغم أنه لن يقلل من قدر الطبيب أن يبنى على ما بدأه زميله، أو قد يكون هناك خطأ فى سلوك المريض أدى إلى عدم تحقيق النتائج المرجوة.
تتكرر الحكاية مع المحامين، والمهندسين، حتى الحرفيين. كلٌ يهدم ما بناه السابق له وكأنه وحده يمتلك الحكمة والموهبة، والآخرون على حسب التعبير المستهتر والفارغ من المضمون «ده ما بيفهمش حاجة». وكانوا يقولون إنها عادة فرعونية، فكل ملك يأتى يحاول محو وإزالة آثار سلفه من جدران المعابد والمسلات، وربما انتقلت هذه العادة الذميمة إلى الشعب بحكم التقليد، واستشرت خاصة بين أبناء المهنة أو الحرفة الواحدة، حتى إن المقولة السائدة «ما عدوك إلا ابن كارك» تكاد تكون حقيقة مؤكدة.
الرغبة الدائمة فى هدم ما بناه الآخرون، والتسفيه مما يصنعه غيرنا، أصبحت أسلوب حياة، وعندما تبحث وتمحص كلام من ينتقد الآخرين تجد أن خلف هذا الحديث مآرب وأغراضًا خفية، وأن البعض لا يغار فقط من نجاح الآخرين القائم على الجهد والصدق والإخلاص، والمشكلة أن الفشل له أب واحد، فى حين هناك ألف أب للنجاح، كلٌ يتمسح فى أن ينسبه لنفسه، وإذا رفض أصحاب النجاح الابتزاز أو الاستغلال يلجأ المستغلون إلى تشويه النجاح والتقليل منه.
الاستغلاليون والطفيليون هم جماعة من البشر تشبه تمامًا «أبناء آوى».. هم مصاصو دماء، مصاصو أرواح، دراكولات دون عض فى الرقبة، لكنهم يقتاتون على جهد الإنسان وتعبه، ويرفعون شعار «إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب»، ويعاملون المحيطين بهم على أنهم وسائل لتحقيق غايات، أو على أنهم «أشياء» يمكن الاستفادة منها لتحقيق مكاسب معنوية أو مادية.
وهم أكثر من يتحدث عن الضمير والأخلاق والذمة والمصلحة العامة والله والرسول والمسئولية الأخلاقية، وهى كلها «أكلشيهات» يستخدمونها كما يستخدم التجار شعارات رنانة لترويج بضائعهم، لكن التجار لديهم بضاعة، فى حين أن «ابن آوى» يريد فقط أن يمتص جهدك وعرقك ويشاركك طعامك وشرابك ونجاحك دون أن يبذل جهدًا حقيقيًا. إنهم الراكبون أمواج النجاح التى صنعها آخرون وهم يلجأون للف والدوران ولاستخدام أساليب ملتوية من أجل تحقيق منفعة من الآخرين، بل يلجأون للوشايات والبلاغات الكيدية لتحقيق مآربهم.. وقد كانت هناك «نكتة» منتشرة فى أواخر عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بأنه ما من مشروع ينجح إلا وتفرض عليه إتاوة شراكة «أبوعلاء»، عملًا بالمثل القائل «فيها لخفيها».
يحتاج الاستغلاليون كى نتخلص من ضغطهم إلى مواجهتهم والتصدى لهم من خلال وضع النقاط فوق الحروف، وتحديد إطار العلاقة، وإذا لم يكن للشخص ما يجبره على التعامل مع الشخص المستغل، مثل صلات القرابة، أو زمالة العمل، فعلى الإنسان أن يتخلص من أى علاقة طفيلية فى حياته، فالطفيليون والمستغلون أشخاص لا يستطيعون أن يضعوا أنفسهم فى مكان الآخرين أو الشعور بشعورهم.
علينا جميعًا أن ندافع عما نحققه، وألا نخضع لابتزاز أو ضغط، وإذا كان لأبناء آوى مخالب فبالتأكيد لدى كل منا كروت صفراء وحمراء يستطيع أن يرفعها فى وجه من يحاول أن يمتص جهده أو تعبه.
هامش
تحتاج رياضة ركوب الأمواج، التى يمارسها أبناء الشعوب المطلة على المحيطات، إلى مهارات عالية وثقة بالنفس وشجاعة واتزان، لذا تعترف بها المنظمات الرياضية الدولية، وتقيم لها مسابقات دولية للهواة والمحترفين.. أما هواية ركوب نجاح الآخرين فلا تحتاج إلا إلى أخلاق وضيعة ودناءة وشره وطمع لا تنافسه فيها إلا الطفيليات.