ماذا نريد غدًا؟
فى الحديث الأخير للرئيس عبدالفتاح السيسى، ذكر أن همه الأول ظل فى فترة رئاسته الأولى «٤ سنوات» مضت، أن تستعيد مؤسسات الدولة عافيتها وتقف على أقدام ثابتة، بعد فترة اهتزاز عميقة صاحبت ثورتى يناير ويونيو. وهى حقيقة معادلة مبدئية؛ لمن يطمح إلى إرساء قواعد مشروع تنموى وطنى، يقتحم المستقبل ويتسلح بأدواته، التى يمكنها أن تصوغ هذا المشروع الكبير.
أشهر ما أثار التساؤلات، وربما الكثير من الدهشة، كان مشروعات «شبكة الطرق» السريعة العملاقة التى تبناها الرئيس منذ اليوم الأول. وبعد أن ظهرت ملامحها الأولية، خفتت حدة التساؤلات بالنظر إلى أهميتها العملية، والنقلة الهائلة التى أحدثتها فى زمن قياسى، ربما غيرت فيه إيقاع الحركة ما بين المدن والمناطق المصرية بكاملها. ومازالت لخريطة المشروع الإجمالى مراحل لم تظهر للنور بعد، ستكون بعد إنجازها فى فترة «الولاية الثانية» قادرة على تغيير وجه شرايين الدولة المصرية على امتداد محاورها المستهدفة.
اليوم ونحن نتحدث عن استعادة مؤسسات الدولة عافيتها، وبالنظر إلى تبنى الدولة مشروعًا تنمويًا متعدد الأوجه، نجد لزامًا علينا أن نطلب من السيد الرئيس فى فترة «الولاية الثانية»، أن نكثف العمل على آلية الحركة «داخل» المدن المصرية. والمقصود بمعنى آخر؛ أن الشارع المصرى بوجه عام يحتاج إلى عمل ضخم كى يسترد انضباطه، حتى يكون النظام هو السمة التى تشكل قيمه مضافة لما يجرى من خطط ومشروعات.
الشارع المصرى اليوم؛ يشكل عقبة حقيقية أمام ما نطمح إليه. فالمشكلة المرورية خانقة فى القاهرة العاصمة، وتماثلها بشكل أعمق عواصم المحافظات جميعها تقريبًا. صرامة القانون الذى يفرض الانضباط غائبة، ويتم التحايل على أدواته بكل آليات الفوضى، التى صارت هى الملمح البارز لمشهد لا يليق بالدولة المصرية. ففى الوقت الذى تحرص فيه كافة مدن العالم الأول؛ أو من تطمح لأن تصنف هكذا، على إرساء منظومة حضارية للحركة والنقل العام والخاص، نجد أننا وصلنا إلى مراحل التغييب العمدى للوجه الحضارى من تلك النقطة، وهى التى تعد أكثر التصاقًا بالحياة اليومية للمواطن، والأهم بالنسبة لحركة السياحة والاستثمار. وكلاهما يشعر بضغط هائل من هذه الفوضى، وتعد بجدارة هى المسبب الرئيسى للانطباعات السلبية لديهما على السواء، المواطن الذى يتحرك يوميًا فى الشوارع لقضاء شئونه، والزائر الذى يتحسب كثيرًا قبل التعامل مع آليات هذا الشارع.
وسائل النقل الخاص بأنواعها، تكاد تحطم وجه المدن الحضارى فى كل لحظة، دون رادع قانونى، أو خطة تطوير، أو أفكار للإدارة. وكأنها قدر حتمى يصعب التعامل مع فوضويته القبيحة، التى نقلت سلوكياته إلى الشارع بكل مكوناته، فضلًا عن السماح بتمدد وتكاثر تلك الوسائل، دون أدنى رابط عددى أو موضوعى. والذريعة الجاهزة فى هذا المضمار أنها تقوم بتوفير فرص عمل لنسبة من رقم «البطالة». وبحسابات بسيطة لحجم الخسائر والمكاسب لتلك المعادلة، نجد أننا نضحى بالكثير والثمين من النظام والنظافة والوجه الحضارى، فى سبيل مشهد يمكن بالجهد وصرامة الإدارة والقانون إعادته لوضعه الصحيح.
أتمنى أن يكون هذا الملف، على رأس أولويات الرئيس فى أول عمل تنفيذى له بـ«ولايته الثانية». فهو يحتاج لمشرط الجراحة وصرامة المتابعة التى ينتهجها الرئيس، فى ملفات بعينها أنجزها فى وقت قياسى، ووضع للهيئات التنفيذية فيها أسقفا زمنية وخططا للإنجاز. لذلك أرى أن استعادة مدننا وشوارعنا رونقها وانضباطها والنظام الذى ييسر الحياة اليومية، هى نقلة حضارية تليق بمصر اليوم، وبالمصريين فى الغد القادم بإذن الله.