مع أعظم النساء فى يوم المرأة العالمى
يستدعى يوم المرأة العالمى فى نفسى الكثير من الأمنيات التى من أجلها يتم الاحتفال به فى كل أنحاء العالم، لكنها لم تتحقق، وفى مقدمتها جعله مكانًا أفضل لعيش النساء وتحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين، ودفع النساء للعمل أملًا فى تحسين أحوالهن المعيشية، وحمايتهن من العنف، وفى مناطق الصراعات المسلحة.
لكنها أمنيات حتى الآن لم تتحقق رغم مسيرة تاريخية طويلة بدأت منذ يوم ٨ مارس ١٩٠٨، وحتى اليوم.. وبنظرة سريعة إلى أوضاع المرأة هذا العام، سنجد أننا أمام واقع يحتوى على تناقضات مفزعة بين دول متقدمة، لكنها مليئة بالمتناقضات المتضاربة، فهناك دول بها نزعات عنصرية تتصاعد وهناك أحداث إرهابية وراءها أفكار متطرفة من كل الأنواع والأشكال.. وهناك دول لا تزال يُمارس فيها كل أنواع القهر ضد المرأة.. ودول أخرى تواجه فيها المرأة أشكالًا من العنف والتحقير ما يندى له جبين الإنسانية، خاصة أنه يُمارس تحت ستار الدين.. وهناك دول حصلت فيها المرأة على حقوق كثيرة، لكنها لا تزال تناضل من أجل تحقيق المساواة التامة..وهناك دول تتولى فيها المرأة رئاسة الدولة، بينما دول أخرى لا تزال تناضل لتعليم البنات.. وفى منطقتنا العربية توجد مناطق نزاعات مسلحة وصراعات دموية تكون فيها المرأة والطفل، هما كبش الفداء الأول، إلى حد أنه يصعب حصر عدد اللاجئات من النساء والبنات والأرامل.. إننا إذن أمام مشهد مرتبك وقضايا ساخنة فى حاجة إلى حلول قد تبدو بعيدة التحقق الآن. إذا ما عدنا بالذاكرة إلى أصل هذا اليوم، سنجد أنه بدأ بمظاهرات لعاملات النسيج فى مدينة نيويورك يوم ٨ مارس ١٩٠٨، حين خرجن إلى الشوارع احتجاجًا على ظروف العمل القاسية، وفى ٨ مارس ١٩٠٩، تم الاحتفال به قوميًا فى أمريكا، ثم انتقل إلى أوروبا، حيث طالبت الدنماركية «كلارا زيبكين» بأن يصبح احتفالًا سنويًا، وفى ١٩١١ زاد عدد الدول الأوروبية التى تحتفل به، وعلى المستوى الرسمى العالمى اعتمدت منظمة الأمم المتحدة هذا اليوم ليصبح رمزًا لنضال المرأة فى العالم لنيل حقوقها المنقوصة، ويتم الاحتفال به سنويًا منذ هذا التاريخ.
وفى مصر أقيمت عدة احتفالات بهذا اليوم، حيث تم تكريم عدد من رموز المرأة، إلا أننى أتوقف أمام أعظم رمز للمرأة فى مصر فى تقديرى، واللاتى لولا تضحياتهن ما كان لنا أن نشعر بالأمان فى بيوتنا، وأقصد بأعظم نساء مصر أم الشهيد وزوجة الشهيد وابنة الشهيد، اللائى استمعت إلى كلماتهن التى تعبّر عن بطولة وصبر وحب استثنائى للوطن، رغم الألم والجرح ونزيف الروح المستمر بفقد الأعز لديهن من رجال الشرطة والجيش الذين يحمون أهل مصر.. جاءت تلك الكلمات التى تمس القلب وتدمع معها العين فى احتفال أعتز بأننى حضرته فى الصرح الطبى العملاق مستشفى ٥٧٣٥٧، حيث دعا د. شريف أبوالنجا عددًا من رموز مصر من النساء من عدة مجالات، فى مقدمتهم بعض من أسر شهداء الجيش والشرطة وبعض نائبات مجلس النواب، وبعض عضوات المجلس القومى للمرأة، والعالمات والطبيبات، وبعض عضوات المجلس الاستشارى الرئاسى للتنمية المجتمعية، واللواء أيمن الشافعى، عميد كلية طب القوات المسلحة، وبعض طلبة وطالبات الكلية.. وشارك أيضًا بعض الأطفال الذين تم شفاؤهم.. ولا يزال هذا الصرح يقوم بتوسعات، نظرًا إلى الحاجة لاستيعاب عدد أكبر من المرضى، الذين فى حاجة للعلاج، والذى يتم على أعلى مستوى من العلم والرعاية كما رأيت. فهنا تتجسد روح مصر الطيبة وناسها الطيبين، الذين نذروا أنفسهم لعلاج الأطفال المرضى بهذا المرض الخبيث، دون تفرقة بين غنى أو فقير.. رأيت أطفال المستشفى يغنون أغنية الفرقة ١٠٣ صاعقة «رجالة منسى».. ومن اللفتات الإنسانية التى رأيتها فى هذا اليوم أن تمت دعوة زوجة الشهيد خالد المغربى، بطل الدبابة، حاملة ابنه الرضيع، والتى استقبلناها جميعًا بالفخر والاعتزاز.. وحينما تحدثت والدة الشهيد البطل رائد شرطة محمد أنور جمعة لم أستطع إيقاف دموعى، فقد استشهد فى مأمورية بالعريش، وهو ابنها الوحيد على ثلاث بنات، وهو الذى طلب أن يذهب للعام الرابع إلى العريش للدفاع عن الوطن.. فقالت بكلمات تفيض وطنية وشجاعة، لكنها تعكس أيضًا روح مصر الصامدة، وتعكس أيضًا عظمة المرأة المصرية، قالت أم البطل: ابنى جانى ملفوف فى علم مصر، وده كان أعلى وسام أنا أخدته، ربنا اصطفى ابنى محمد وخده شهيد، وده تكريم ربانى، راح شهداء كتير لكن مصر عمرها ما حاتروح.. ربِنَا يحفظ مصر ويرحم كل شهدائنا. أما أم الشهيد أحمد عربى مصطفى، من الفرقة ١٠٣ صاعقة التى كان قائدها الشهيد البطل «منسى» الذى أصبح أسطورة مصرية نرويها لأبنائنا.. قالت كلمة لا تنسى لأم بطل مصرى، لكنها فى نظرى رمز للمرأة المصرية، فقالت: الحمد لله.. الفُرقة صعبة، لكن أحمد الله دى مجايب ربِنَا.. بادعى للسيسى والقوات المسلحة..الحمد لله على مجايبك يا رب. وهكذا جاء يوم المرأة العالمى فى الصرح الطبى ٥٧٣٥٧ مشهدًا استثنائيًا لا يوجد مثيل له فى العالم أجمع، لأنه ضم أسر خير أجناد الأرض، اللاتى هُن فى نظرى فخر لنا جميعًا لأنهن أعظم نساء الدنيا، وجاء هذا الاحتفال الاستثنائى ليعكس روح مصر الطيبة فى كل العاملين، الذين التقيتهم فى هذا اليوم، وفى إدارة مصرية ناجحة للدكتور شريف أبوالنجا، الذى أعتقد أنه يكن احترامًا كبيرًا لدور المرأة المصرية فى يوم المرأة العالمى، وأيضًا اتساقًا مع اهتمام الرئيس السيسى بدور المرأة المصرية التى يدعمها، ويدعو لتقدير مكانتها.. كما جاء هذا اليوم الاستثنائى فى يوم المرأة العالمى مع أسر الشهداء، ليؤكد لنا أن المرأة المصرية هى أعظم نساء الأرض، إنها أم الشهيد البطل التى تعطى أروع الأمثلة على البطولة والصمود والوطنية، لأن قضيتها الأولى هى الحفاظ على الوطن فى حربه ضد الإرهاب.