سلامًا لرجال الشرطة فى عيدهم
لا شك أن يوم ٢٥ يناير قد استدعى فى ذاكرتى أحداثًا كثيرة ومتناقضة ومتباينة.. ولا شك أننى ممن يسعدون بالاحتفال به كعيد للشرطة المصرية رقم ٦٦.. وأتذكر ما حدث من بطولات للشرطة المصرية فى مثل هذا اليوم، إنه يوم لا يُنسى فى تاريخ مصر، وهو تخليد لذكرى موقعة الإسماعيلية التى فقدنا فيها شهداء من رجال عظام من هذا الجهاز المهم، الذين أثبتوا شجاعة وبسالة فى هذا اليوم.
ويشهد التاريخ أنه فى تلك الموقعة فقدت شرطتنا ٥٠ شهيدًا و٨٠ جريحًا، وفى المقابل تم قتل ١٨ جنديًا بريطانيًا، إثر اندلاع الاشتباكات بين الطرفين حينما اشتد التوتر بين مصر وبريطانيا إلى حد مرتفع، بسبب اشتداد أعمال المقاومة والفدائيين ضد معسكراتهم فى منطقة القناة، مما جعل القائد البريطانى بمنطقة القناة يستدعى ضابط الاتصال المصرى ليسلمه إنذارًا، محتواه أن «تسلم قوات البوليس المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وتجلو عن دار المحافظة والثكنات وترحل إلى القاهرة بدعوى أنها مركز اختفاء الفدائيين المصريين المكافحين ضد قواته فى منطقة القناة».
لكن المحافظة رفضت الإنذار البريطانى، وأبلغت هذا القائد بأن وزير الداخلية فؤاد سراج الدين باشا- الذى أقر موقفها- قد طلب منها الصمود والمقاومة، وعدم الاستسلام، فقام القائد البريطانى بمحاصرة قسم الشرطة، وحدثت الاشتباكات الدموية التى سقط فيها شهداء وجرحى لشرطتنا، وفى ٢٦ يناير، انطلقت المظاهرات فى الجامعة وفى الشوارع وتسببت فى قيام حريق القاهرة، مما مهد لقيام ثورة ٢٣يوليو ١٩٥٢، وأصبح هذا اليوم عيدًا للشرطة المصرية تمجيدًا لبطولاتهم التاريخية.
ومنذ ثلاثة أيام، احتفلنا بهذا اليوم المجيد، وببطولات رجال الشرطة الذين يحمون مصر من الإرهاب الأسود، وهى بكل المعانى بطولات فذة لأبطال قدموا أرواحهم فداءً للوطن، فقد فقدنا شهداء فى ريعان الشباب من خيرة رجال شرطتنا، وقام الرئيس السيسى بتكريمهم بحضور أفراد من أسر كل منهم، من الأبناء والأرامل والآباء والأمهات الذين فقد كل منهم عزيزًا فى ساحة الدفاع عن الوطن.
إن هذا اليوم لا بد أن يظل فى الذاكرة لينبهنا إلى شجاعة وبطولات رجال شرطتنا حتى لا ننساهم، ومن واجب الدولة أن تقدم لهم كل أنواع الرعاية والدعم ليحسوا أنهم فى قلب الوطن.
وبين هذين المشهدين، ما حدث وسطره التاريخ فى بطولات رجال الشرطة فى ٢٥ يناير ١٩٥٢، وبين ما شاهدناه يوم ٢٥ يناير ٢٠١٨ من بطولات سيرويها التاريخ لرجال الشرطة- هناك تاريخ آخر لن ننساه وتتباين عنده الآراء والرؤى، وهو ما حدث يوم ٢٥ يناير ٢٠١١، والذى كان عيدًا للشرطة وأراد أعداء الوطن أن يحولوه إلى يوم كراهية لرجال الشرطة، وتدمير لكل معانى البطولة والحماية والمحافظة على القانون وأمان المواطنين، فسعوا لتشويه دور رجال الشرطة، ومن ثم إضعاف قدراتها على الدفاع عن أمن الوطن والمواطن، وتم خلال ٢٥ يناير ٢٠١١ تشويه متعمد لدور رجال الشرطة، وما تلاه من عمليات إجرامية لاقتحام السجون وإحراق أقسام الشرطة.
كما تم قتل واغتيال ضباط بسبب الغدر والمؤامرات، واندلاع موجة من الجرائم التى اجتاحت البلاد، بالإضافة إلى نشر الفوضى فى كل المحافظات، وفى هذا اليوم اختلطت حركة الإصلاح بخيوط المؤامرة الدولية، لإضعاف مصر وتمكين الإخوان من حكم بلدنا، بأيدٍ من الخارج ومن الداخل.
إننا لن ننسى ما قمنا به من تشكيل اللجان الشعبية من أهل مصر لحماية أمن البيوت والأسر المصرية فى كل الأحياء والشوارع بعد انسحاب الشرطة، فكانت تلك من أخطر الأيام التى عانينا فيها من غياب الشرطة ومحاولة تقليص دورها.. إنها أيام لن ننساها ولن يسمح أى مصرى وطنى بتكرارها، ونرفض أن يحاول أى عميل أو متآمر أن يشوه ما قدمه رجال الشرطة من بطولات وتضحيات لا تُحصى خلال السنوات الست الأخيرة، ومصر لن تنسى من استشهدوا خلال الدفاع عن الأقسام، أو من يقومون بحماية المصريين فى مواقعهم أينما كانوا، لأنها بطولات متواصلة ومستمرة، ولأن الدم المصرى غالٍ وعزيز علينا جميعًا.
وإذا كانت هناك بعض التجاوزات من بعض رجال الشرطة هنا أو هناك، فإنها موجودة فى كل المجالات وفى كل المهن، لكنها أبدًا لا تمس الغالبية العظمى من شجاعة ووطنية خير أجناد الأرض، ولا أعتقد أن أى مصرى وطنى يكترث لاعتراض أمريكا على احتفال المصريين برجال شرطتهم، أو لاعتراض جون ماكين على عدم الاحتفال بـ٢٥ يناير باعتبارها ثورة، لأنها كانت أيضًا فى داخلها مؤامرة دولية.. ولقد تكشفت أدوار كثيرة ملوثة بالخيانة والعمالة والفساد والإفساد، وأيادٍ قذرة كثيرة كانت تعبث بأمن المواطنين، وكانت تستخدم الإعلام للترويج لأكاذيب كثيرة.
ولا شك أن لكل منا ما يقفز إلى ذاكرته فى ذكرى هذا اليوم، فهناك مواقف وأحداث لا يمكن نسيانها، وسيظل يقفز إلى شاشة ذاكرتى مشهد الفتاة المصرية الصغيرة السمراء التى كانت تبكى حينما ذهبت إلى الرئيس لتتسلم تكريم أبيها الشهيد الذى فقدته فى ساحة الدفاع عن أمن مصر فى عيد الشرطة.
إن دموعها أبكتنا جميعًا حينما رأيناها تبكى لفقدانها أباها الشهيد البطل، وإذا كانت دموعها قد هدأت قليلًا حينما مسح الرئيس السيسى بيده الحنونة دموعها أمام الملايين من المشاهدين، إلا أن هذه الدموع الغالية لن تجف تمامًا إلا يوم الانتصار الكامل على الإرهاب الأسود، ولحظتها سيكون لعيد الشرطة مذاق الانتصار والفرحة الكبرى فى كل ربوع مصر، وفى قلب كل مصرى وطنى محب لوطنه، ونتمنى أن يكون هذا الانتصار الكامل بحلول عيد الشرطة المقبل، إن شاء الله تعالى.