الإرهابيون الأجانب فى سيناء
منذ بداية هذا الأسبوع؛ وبعد نشر التنظيم الإرهابى الداعشى فى سيناء، مقطعًا مصورًا يقوم فيه بإعدام شخص، بتهمة «تهريب السلاح» من سيناء إلى قطاع غزة لحساب حركة حماس، والتساؤلات لم تتوقف على الأقل ما بين المهتمين بالملف الإرهابى ومن يتابعون عن كثب ما يجرى بالقطاع.. والحدث فارق بالفعل؛ ويثير انتباهًا مشروعًا مصحوبًا بعشرات الأسئلة. ليست حادثة الاغتيال الأولى بالطبع التى ينفذها التنظيم بحق المدنيين أو عناصر فى صفوفه، لكنها تأتى هذه المرة بشخوصها وبملابسات الاتهام، لتمثل الفارق الذى يستلزم الاشتباك معه بالفهم وبالإصغاء لأجراس الإنذار.
الثلاثاء الماضى كتب الأستاذ طارق حسن مقالًا متميزًا، فى جريدة المصرى اليوم بعنوان «حماس المرتدة». أرجو أن يكون قد لفت الانتباه وحظى بما يستحقه من الوقوف على ما جاء فيه، فطارق حسن كاتب مهم فى الشأن الفلسطينى وبالأخص فى قطاع غزة، ورغم صخب الملف الذى يعمل عليه بدأب، فإنه يتناوله بقدر عال من العقلانية، والحرص على صفاء ونفاذ الرؤية التى يتسلح بها. هذه الأخيرة يلزمها ضخ متواصل للمعلومات التى لم تغب عن المقال، بل جاءت أيضا مصحوبة بإشارات هى الأكثر أهمية لهذا العمل الإرهابى.
بالتقاط أولى الإشارات من المقال المشار إليه، ذكر الأستاذ طارق أن العناصر الغزاوية بداخل التنظيم الإرهابى فى سيناء، قد تشعل صراعًا ما بينها وبين حماس يعمق من أخطار المعادلة الأمنية على جانبى الحدود. وهنا الجدير بتناوله أن المدقق فى بصمات العمليات الإرهابية الأحدث، التى جرت خلال الربع الأخير من العام ٢٠١٧م، سيجد الملمح الداعشى حاضرًا، وبقوة تشى بقدرات استثنائية أصبحت تجرى فى شرايين التنظيم.. هنا نحن أمام مجموعة من العمليات (عملية اغتيال سائقى الشاحنات بالحسنة)، و(الهجوم على مسجد الروضة)، وبعدها بأسابيع (استهداف مطار العريش)، ومنذ ساعات هناك تحذير تم إطلاقه من التنظيم يهدد فيه أصحاب الشاحنات التى تنقل المواد الخام، وحدد فيها «الملح، والرمل الزجاجى» الذى يصدر عبر ميناء العريش البحرى. وما بين تلك العمليات الجديدة كليًا هناك الأداء الذى يستهدف الحالة المعنوية، لسكان وأهالى سيناء، وأيضًا لقوات المكافحة التى ما زالت تحقق نجاحات يومية على الأرض.
هذا يصل بنا حتمًا إلى أن هناك عناصر جديدة قد وصلت سيناء حديثًا من مقاتلى التنظيم الأم، وهؤلاء من يمكن الإشارة إليهم فى المستوى المتقدم والمتجاوز كثيرًا فى تنفيذ العمليات الإرهابية. كمثال الهجوم الدامى على «مسجد الروضة»، الذى عد حينها متجاوزًا كل أشكال العلاقة التى ظل التنظيم ينسجها مع قبائل سيناء لسنوات، فما بين الترغيب والترهيب وصناعة العديد من المصالح المشتركة، لم يخطر على بال أحد أن يرتكب التنظيم تلك المجزرة بحق هذا العدد الكبير من سكان قرية سيناوية. خاصة أن المكون العددى البارز فى التنظيم ظل لصالح أبناء المنطقة، وهو ما يبدو أنه اختلف الآن لصالح الوافدين الجدد الذين قدموا ليمسكوا بزمام العمل والقرار.
من الإشارات الأخرى التى يجب الوقوف عندها؛ أن هذه العناصر قد وصلت بالأساس لتدمير أى من أشكال التقارب المصرى مع حماس، ولديها ظهير فى قطاع غزة سيتوافق مع هذه المهمة، بل سينخرط فيها. لذلك جاءت عملية الاغتيال الأخيرة بمثابة إطلاق لهذا العمل الذى يبدو مرشحًا للتفاقم، فالمعلومات المتداولة بداخل القطاع تتحدث عن قيادات حمساوية، تقود أو على الأقل تشجع وتعاون الأجنحة التى تستهدف ضرب قطار المصالحة الفلسطينية، منهم من يحمل ولاءات إيرانية، وآخرون بتكليفات تركية مباشرة. والقطاع مثله مثل سيناء مكشوف أمام من فيه، للحد الذى يعلم سكانه أسماء المقصودين بهذا الحديث وأين وصلت مواقع أقدامهم مما يجرى مؤخرًا.
داعش الذى وصف «حماس» بالمرتدة فى بيانه، أصدر بعده عدده الجديد من مجلة «النبأ» التى ينشر فيها التنظيم أخباره فى جميع مسارح عملياته. وفى هذا العدد «إنفوجراف» على صفحة كاملة، يعدد ويؤصل فيه «داعش» أسباب خروج حماس من الملة، ولماذا يجب قتالها. ولم يقف العدد عند حد حماس فقط، بل المتصفح للمحتوى، سيلحظ من الوهلة الأولى هذا القدر البارز من الاهتمام بسيناء كمسرح مهم لنشاطه، وهو هنا يتحدث أكثر بلغة ولهجة التنظيم الأم بأكثر مما هو معبر عما يقوم به التنظيم المحلى، الذى دأب على العمل على ذات الأرض من سنوات. وهذا يسترجع سريعا تصريح «أردوغان» عن نقل مقاتلى التنظيمات الإرهابية من سوريا إلى سيناء، والذى أعقبه تقرير روسى يحدد «مسار النقل» بريا من سوريا والعراق، عبر اختراق الحدود الأردنية وعبورها عرضيا وصولا إلى «خليج العقبة»، الذى يسهل القفز منه إلى سواحل سيناء.
هناك العشرات من الأدلة التى توحى بواقعية هذا النسق، ربما آخرها ما أعلنت عنه الأردن أمس الأول، من أنها ضبطت خلية كبيرة لداعش على أراضيها كانت تستهدف تنفيذ عمليات على أراضيها، وهذا يمكن تفهمه على أن تلك المجموعات كان البعض منها مكلفا بالبقاء فى الأردن، والآخرين بالعبور إلى سيناء للمهمة الكبرى. تمامًا كما الأخذ بجدية تصريح الرئيس التركى الذى يتصور بداهة صدوره بعد تمام العملية، وليس قبل تنفيذها بأى حال.
هل نحن أمام تفجير جديد للأوضاع فى سيناء، بصياغة جديدة وبأبطال ولاعبين جدد؟، أظن الإجابة بنعم هى الأقرب لمنطق الأحداث الجارية، وهى الكفيلة بتحقيق أكبر قدر من الأهداف لأطرافها جميعًا. فإغراق جانبى الشريط الحدودى الشرقى بما فيه من تعقيدات مسبقة، فى دوامة اقتتال وعمليات متبادلة ما بين حماس وداعش، يضع معادلة الأمن فى سيناء على حد فاصل مع ما كان يجرى سابقًا. كما أنه سيثير سحابة كثيفة من الغبار؛ يمكن خلف ستارها أن تدور العشرات من الصراعات الجاهزة، المتوقع منها وغير المتوقع.