شم النسيم فى ظل الاكتئاب العام
خيمت حالة من الاكتئاب العام على احتفالات عيد شم النسيم أمس الأول فى غالبية البيوت المصرية، لم يمر علينا هذا العيد من قبل بمثل هذه الكآبة المصحوبة بالأحاديث السياسية الرافضة لسيطرة الإخوان على مقدرات الوطن. فالكل مكتئب وما إن تلتقى الأسر
فيما بينها إلا تجد أن الحديث المصاحب هو الحزن والغضب والحسرة على ما يحدث فى بر مصر لمعظم المصريين مسلمين ومسيحيين، ما عدا فصيل واحد فقط، فأعضاؤه هم الذين يرتعون ويقررون ويستقوون ويهددون وينشرون الخوف والفزع بكل الطرق المعهودة وغير المعهودة فى مصر، وإن كان المصريون قد خرجوا إلى المتنزهات والحدائق العامة وحديقة الحيوان، فقد كان ذلك للرد على دعاوى التطرف والتخلف التى ترددت بتحريم الإحتفال بعيد شم النسيم..
كما امتلأت شبكات التواصل الاجتماعى بمعايدات فى شكل تحدٍ لهذه الدعاوى، وعبارات ضاحكة منها ما يقول مثلاً «مصر أصبحت منقسمة ليس بين مسلمين ومسيحيين، بل بين مصريين وإخوان».
كما امتلأت الساحة المصرية بفتاوى لأناس يقولون إنهم دعاة، يطلون علينا لتحريم ما هو حلال، ولإشاعة البلبلة فى كل الممارسات اليومية العادية والعادات والتقاليد المتوارثة عبر الأجيال، وبعضها سمات أصيلة فى الشخصية المصرية المحبة للتسامح والسلام، والمقبلة على البهجة وحب الحياة وكرم الضيافة وطيبة القلب، وبين هذه الفتاوى الغريبة تحريم هذه العادة بالاحتفال بشم النسيم الذى هو عيد فرعونى مصرى، احتفل به المصريون منذ 2700 سنة قبل الميلاد، وكان يطلق عليه «شمو» أى «بعث الحياة»، ثم تحرفت الكلمة إلى «شم» ولما انتشرت المسيحية فى مصر أصبح عيد القيامة يلازم عيد المصريين القدماء، حيث يحل شم النسيم يوم الاثنين الذى يلى عيد القيامة، وهو العيد الأكبر عند المسيحيين. وهكذا تزامنت أعياد المصريين يومين متتاليين هما الأحد والاثنين، ثم تعرض الاسم للتحريف على مر العصور وأضيفت كلمة «النسيم» لارتباط العيد باعتدال الجو وطيب النسيم، وما يصاحب هذا العيد من الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة، وكان قدماء المصريين يقيمون له احتفالاً رسمياً كبيرًا يصاحبه مهرجان شعبى تشترك فيه طوائف الشعب المختلفة، فيخرج الناس إلى الحدائق العامة حاملين معهم أطعمة خاصة مثل البيض والخس والملانة والبصل والفسيخ والرنجة، والتى ارتبطت بمدلول الاحتفال بما يمثله عندهم من الخلق والخصب والحياة، وهكذا استمر الاحتفال بهذا العيد مصحوبا بالتنزه والفرحة والبهجة والحفلات الغنائية والعروض الموسيقية والألوان الزاهية التى يرتديها الأطفال.
ولكن للأسف فإننا الآن وفى ظل أحداث مؤسفة وممارسات قهر واستقواء وأزمة اقتصادية طاحنة، وافتقاد للأمن وأسعار تتصاعد بسرعة مذهلة بدون مراعاة للفقراء الذين يمثلون غالبية هذا الشعب، واعتقالات للشباب، واضطهاد للأقباط وللمرأة وللقضاء وللإعلام، وعدم الاستماع لصوت الشعب، لقد تحول شم النسيم إلى حالة من الاكتئاب العام والتنديد بسياسات الإخوان، وإحراق دمى فى الإسماعيلية وبورسعيد، إن هناك من يحاولون طمس الهوية المصرية ولكن لأنهم لم يقرأوا تاريخ المصريين فإنهم لا يدركون أن هوية مصر محفورة فى وجدان المجتمع ولن يتمكن أحد من طمسها فى بضعة شهور أو سنين مهما حاول البعض ذلك