رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجرافيتى.. إبداع مستمر من أجل الحرية


لابد أن نلتفت إلى إبداع الشباب الجديد الذى انطلق مع ثورة يناير ليمثل موجة جديدة من الإبداع الحديث الذى سيتوقف أمامه التاريخ طويلاً، وأتوقف هنا بالذات على نشأة إبداع حديث يمثل فى تقديرى ذاكرة ثورة يناير بل إنه بدأ يأخذ أبعاداً جديدة تواكب المتغيرات الكبرى

التى أحدثتها هذه الثورة السلمية وتستمر إلى الدرجة التى يمكن أن نطلق عليها صوت الحرية الجديد، إننى أقصد فن «الجرافيتى» الذى يتجلى على أيدى الأجيال الشابة على الجدران والحوائط والجسور والذى أصبح الآن صرخة من أجل الحرية، ووسيلة للتعبير عن أفكار الشباب ورؤاهم وأحلامهم ومعاناتهم ورموزهم وشهدائهم.

لقد أصبح فن «الجرافيتى» شاهداً على اغتيال حلم الشباب فى الحياة الأفضل والذى حملته معها ثورة يناير، وفى الشهور الأخيرة أضيف إليه اللون الأحمر وهو لون الدم الذى أريق على أرض مصر، ومن أهم ما يمكن أن يعبر عن الأحداث التى تمر بمصر على سبيل المثال جداريات شارع محمد محمود التى ظهرت بعد اندلاع الأحداث التى وقعت فى الفترة من 19 إلى 24 نوفمبر 2012 فى أماكن متنوعة فى المنطقة المحيطة به، والتى شهدت تلك الاحتجاجات والتظاهرات ومنها أسوار بعض المدارس هناك، وأسوار الجامعة الأمريكية وجدران بعض العمارات، كما تشكلت جداريات ثورية على أيدى فنانى «الجرافيتى» الجدد على الحاجز الخرسانى الذى وضعته السلطات الأمنية فى شارع محمد محمود.

كما تضمنت الجداريات الثورة المصرية ولوحات تجسد الشباب من رموزها مثل سامبو ومينا دانيال وأحمد حرارة والشيخ عماد عفت، وأيضاً جيكا ومحمد الجندى مؤخراً، كما أضيفت أحداث بورسعيد، والمهم أنه حتى لو أزيلت هذه الجداريات فإن بعض المصورين الفوتوغرافيين قد حرصوا على تصويرها لتوثيق بعض منها، مما يجعلنى أقول إنها إحدى الوسائل الفنية المهمة التى توثق للثورة وستظل كذلك ولو بعد حين، وأنه مطلوب من الشباب أن يحرصوا على إقامة معارض لهم ليرى الشعب الصور الفوتوغرافية التى تسجل وتوثق صور هذه الجداريات التى تعبر عنهم وعن مطالبهم.

أما إذا تحدثنا عن نشأة هذا الفن الحديث الذى أصبح أحد الفنون الشبابية فى مواجهة السلطة، والذى انتشر فى العالم بشكل مدهش، فإننا لابد أن نتذكر أن أجدادنا الفراعنة هم أول من أنشأ هذا الفن منذ 7 آلاف عام، حيث نجد رسومات ولوحات على الجدران بألوان زاهية سجل بها الفراعنة شئون حياتهم وطقوسهم بداخل المقابر الفرعونية، ثم تمت ممارسة فن الجرافيتى إبان الحضارة الرومانية والإغريقية، ويفتخر الغرب بأن هذا الفن قد انطلق منذ ستينيات القرن الماضى وإن اختلقت الأقوال، فبعض مؤرخى الفن يقولون إنه نشأ فى نيويورك، مستلهما موسيقى «الهيب هوب»، والبعض قال إنه نشأ فى إنجلترا، بينما تعتبر مدينة برلين الألمانية عاصمة فن الجرافيتى فى أوروبا، وفى تونس انتعش هذا الفن بعد ثورة يناير 2011، كما ينتشر للتعبير عن رسائل شبابية فى أمريكا اللاتينية، وإذا ما عدنا إلى مصر حيث بدأت موجة من شباب الفنانين تبدع فيه كوسيلة للتعبير عن المواقف السياسية، ولا أعتقد أن فنانى الجرافيتى والذين سيتوقفون عن الرسم حتى لو أزيلت رسوماتهم كما حدث من قبل فى شارع محمد محمود، لأن الفن فى يد المبدعين هو وسيلة حيوية وأساسية للتعبير عن النفس والانتصار للحرية