نساء بورسعيد وسرقة تمثال طه حسين
مرة أخرى يقف التاريخ إجلالاً للمرأة المصرية، مرة أخرى تتقدم المرأة المصرية صفوف الثوار متمثلة فى نساء بورسعيد لتطالب بحق أهالى المدينة الباسلة، ولكن للأسف كما سبق قبل ذلك فإن من هم فى موقع المسئولية فى مصر لا يسمعون ولا يأبهون بغضبة أهالى بورسعيد الذين اغتالت يد الغدر بعض أبنائهم، فسقط قتلى وجرحى يوم تشييع جثامين شهدائها.
لقد خرجت النساء من كل الأعمار ومن كل التيارات يبكين شهداء مدينة الأبطال التى تصدت للعدوان الثلاثى من قبل فى بطولات يذكرها التاريخ لأهلها، كما شاركت الشابات والأمهات فى العصيان المدنى الذى أعلنته المدينة أمام تجاهل مطالب أبنائها فى التحقيقات العاجلة للقبض على القناصين الذين أطلقوا الرصاص على أهل المدينة.
إن المسئولين عن مقدرات وطننا لا يريدون أن يأخذوا عبرة من التاريخ أو ربما لم يقرأوا التاريخ أصلاً ليعرفوا أن أهل بورسعيد لديهم مثابرة وصمود ولديهم قوة بأس شديدة، وليس من السهل أن ينسوا أبناءهم الذين سقطوا أو ينسوا أنه فرض عليهم حظر التجول بدلاً من أن يضمد أحداً جراحهم أو يواسيهم فى قتلاهم وفى الدماء التى سالت على الأسفلت، إن الدم المصرى غالى والحقيقة ستظهر حتى وإن لم يتم الإعلان عنها بشفافية لأن هناك لقطات حية للأحداث التى جرت فى بورسعيد الباسلة.
لا شك أن سرقة تمثال طه حسين هو بمثابة هجمة ظلامية ثانية لكنها بلا شك لن تنال من أفكار طه حسين ولا من أعماله الأدبية والفكرية الخالدة، ولا من كونه من رواد التنوير فى مصر وفى العالم العربى، لكن فى المقابل لا ينبغى أن نقلل من شأن هذه الحوادث الهمجية على الموروث الثقافى لمصر، خاصة أن هذا الحادث المشين قد وقع بعد حادث همجى آخر، ألا وهو وضع نقاب على وجه تمثال أم كلثوم بالمنصورة.
إن مهمة الأمن الآن أن يتم معرفة الجناة والقبض عليهم، لأن موروثنا الثقافى وآثارنا وفنوننا هى ثروة يمتلكها الشعب المصرى ويتباهى بها بين الأمم، والغريب فى الأمر أن طه حسين هذا العملاق الذى كانت أهم ألقابه قاهر الظلام كان له كتب فى الدين الإسلامى مثل «الوعد الحق» و«على هامش السيرة» و«الشيخان»، ومن أهم ما قاله طه حسين عبارة بليغة كان لها أبلغ الأثر فى إرساء مبدأ مجانبة التعليم بعد ثورة 1952، فهو الذى قال « التعليم كالماء والهواء»، لا شك أن الكثيرين قد أدانوا هذا الاعتداء ومنهم وزارة الثقافة المصرية ، ونادى الأدب بالمنيا، ولكن الاستنكار أو الإدانة الشفهية بما أطلقوا عليه الأحداث المؤسفة أو العمل الإجرامى ليست كافية، حيث إنه من الضرورى بعد هذين الحادثين أن يتم وضع حماية على الآثار المصرية كلها وعلى الأعمال الفنية الثمينة الموضوعة فى ربوع مصر.
إن طه حسين هو واحد من القامات الكبيرة فى الثقافة العربية الحديثة والتى تغنت بعشق اللغة العربية، وكان تمثاله الموضوع على طريق الكورنيش وسط الميدان بالمنيا يعد من أهم المزارات السياحية بالمدينة، كما يحرص كثير من المواطنين فى مناسباتهم الخاصة مثل الزفاف على التقاط الصور التذكارية بجانبه، لأن طه حسين كان ابناً يتباهى به أهل المدينة، اقبضوا على هؤلاء الذين يعتدون على تماثيل رموزنا الفكرية والفنية حتى تتوقف هذه الأعمال الإجرامية الهمجية، وحتى تكون رسالة بأن مصر لا تتهاون فى حق رموزها الثقافية والفنية