ابتسامة نجمة وسحر كاتبة
«علىَّ أن أغير صورتى» استيقظت من النوم ورغبة فى تغيير وجهها تسيطر عليها. تصفحت صورها على المواقع الثقافية.. من هذه الفتاة التى تمسك بوردة وتقربها من خدها، هالها كم الايشاربات التى ارتدتها فى الصور، أى ألوان اختارت؟ البرتقالية، الحمراء.. كلها واضحة، صريحة، خاطفة.. ما هذه الغرة التى تخرجها من تحت الإيشارب؟، الشعرات الهاربة عن عمد راية تعلن تخبطها بين ما هو سائد وبين ما هو فطرى. تأملت صورها.. أرعبها عدم تناسق جانبى وجهها، ها هى كل أمراض وتوترات الطفولة تؤتى ثمارها.. الجانب الأيسر من الوجه مختلف قليلًا عن الجانب الأيمن. يقلل عدم التماثل من جاذبية وجهها، تتشكل حالة من عدم الاستقرار فى قرارة نفسها كلما نظرت لصورها، وها هى بقليل من التأمل وكثير من التفكير تتوصل إلى أن ضعفها الجسمانى يزداد تأثيره يوما عن يوم.
لماذا تبتسم بهذه السعادة؟ بهذه السذاجة؟ بهذا الهطل؟ كأنها على موقع «أريد عريسا، ابتسامتها زاعقة، مزدحمة، تماما كالشوارع، كالحياة، حيث يمكن أن نكتب فى مديح الكلام البذىء وطاقته الكونية، وحيث يمكن لأى شخص أن يكون أى شىء. تسقط فى هوة ابتسامتها التى تمتد على خط مستقيم مع ابتسامة السيلفى لطالبات الجامعة فى الأتوبيس النهرى أو رحلة القناطر.. الفتيات القادمات من التخوم، قبل أن تحولهن تعليمات «فؤاد المهندس» إلى «سيدتى الجميلة».
تقرر: الابتسامة لا تليق بالمفكرين، لا تليق بالكتاب، إلا أن تلتقط لهم صورة الابتسامة أو الضحكة على غفلة منهم، للتدليل على إنسانيتهم، ونزولهم من جبل الآلهة حيث الأرباب، تقيد شفاههم مآسى العالم فلا تنفرج إلا عن تنهيدة أسى.. ضحكة يوسف إدريس الصاخبة ورأسه المائل للخلف، تماوج خصلات شعره الذهبية مع متابعة الجذع العلوى من جسده لمسارات الضحكة، بينما يداه متشابكتان فوف ركبتيه. قهقهة نجيب محفوظ المباغتة، استناده على عصاه حتى لا يطير جسده النحيل من السحر والخفة.
عليها أن تحدد ما ستفعله بوجهها، كيف ستشكل عضلاته؟
فكرت أن الابتسامة المباشرة للكاميرا تليق بفتاة دون البلوغ، صغيرة، غافلة، لم تعان من تأثير الهرمونات على الروح، والجسد، لم تختبر الشقلبة وألعاب الحواة، لم تركب الدوامة الأفعوانية سوى فى دريم بارك، ويمكنها فقط أن تختبر عدم الاتزان فى «مول مصر» عندما تذهب للتزلج على الجليد المصنوع فى القاعات المبردة بتذكرة قيمتها خمسمائة جنيه.
الضحكة والقهقهة تليق بشابة «عايزة» تستعرض تماسك ورشاقة ساقيها، لكن «الست» قالت لشاعرها أحمد رامى «الست المحترمة فى بلدنا (لا تقول عايزة) فسمعناها «بدى أشكى لك من نار حبى»، «بدى» اختصار بودى، أتمنى، الأشياء المعلقة فى الهواء، بين بين، التفاحة التى لا تسقط بإرادتها لكنها الجاذبية، القدر الذى لا يقاوم وهى تحاول أن تستر عريها بيديها، بينما ابتسامتها وضمة ساقيها وانثناء الركبتين توقد خيالات المشاهدين.
الابتسامة الغائمة تليق بالحكماء الذين يعرفون أن الملائكة كانت تمتلك من البصيرة ما لا تدرك هى عمقه وأن ما قالته صار لعنة أبدية، «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء» أيهما أسبق اللعنة أم الرحمة؟، نظرة خاطفة على الصفحة الأولى لأى جريدة محلية ستقضى على أى أمل أو ابتسامة متراوحة.
الابتسامة العريضة الواثقة خالية البال تليق بالنجوم، تليق بمن يحملون بشارة الفرح والبهجة. تليق بقبطان سفينة، الأسنان القوية البيضاء المفرشة بمعجون أسنان فى تؤدة، تنشر الطمأنينة فى القلوب الواجفة، توازن اهتزازات الماء، تأخذك لكهف دافئ، وتقف حارسة لك من ذئاب العتمة وأفاعى الجحور.
تحاول أن تضبط عضلات فكيها وتبسط شفتيها عن ابتسامة تليق بنجمة مع نكهة سحر كاتبة. لا تنضبط الابتسامة كما تريد، تنحرف زاوية الشفتين قليلا إما أعلى أو أسفل. تعبت من التجريب، عقدت حاجبيها وجبهتها.. التكشيرة تليق بالأشرار فى أفلام الأبيض والأسود، وليس فى زمن الألوان، سخرت من نفسها، أعجبتها نظرة عينيها الساخرتين. أدركت مرادها فى الابتسامة المعلقة على زاوية الفم، الابتسامة الساخرة المستهينة، ابتسامة مخايلة، موجهة للذات أكثر مما هى للرائى. ضغطت على الزر وأرسلت وجهها الجديد لموقع الكتابة الثقافى.