سؤال الغموض في رواية الرعب
ـ أخبار معرض الكتاب إيه، طمنى على الكتب والأنشطة.
ـ والله يا دكتور، الأنشطة حتى الآن معقولة إلى حد كبير.. إنما عن الكتب فهناك ظاهرة بدأت منذ العام الماضى، وترسخت هذا العام بصورة مزعجة وتستدعى الانتباه، تخص عزوف «الشباب» عن الكتب الجادة المتعلقة بالقضايا المتنوعة والسياسة والفكر، فى مقابل نهم كبير لشراء واقتناء الروايات و«الرعب» منها على وجه الخصوص.
ـ للعلم هذه الظاهرة موجودة فى الكثير من الدول العربية، وهى ليست مصرية خالصة، إنما هى تحتاج للانتباه فعلا، وضرورى الحالة الاقتصادية أيضًا لها تأثير فى انحسار معدلات الشراء فيما يخص الكتب الجادة.
ـ الحالة الاقتصادية مؤثرة بالسلب فعلًا على الشريحة الأكبر عمرًا من الشباب، وهى كانت دومًا عبر تاريخ المعرض كتلة حاضرة، فاعلة فى الشراء ومتحكمة إلى حد كبير فى نوعية المعروض من خلال طلبها عليه. هذه الشريحة اليوم تحت وطأة الالتزامات المعيشية التى دفعت الاحتياج الثقافى والفكرى خطوات بعيدة إلى الخلف، مقابل النزيف اليومى لأشياء لا تقبل التأجيل، لهذا غاب هؤلاء القراء والمثقون الهواة الذين أظنهم كانوا رمانة الميزان للمنتج الفكرى والثقافى برمته. ربما لهؤلاء يا دكتور معادلة مفهومة إلى حد ما، إنما ما هو عصى على بالفعل هذا النزوع الشبابى الغريب لالتهام روايات الرعب وكتب العوالم الغرائبية وخيالات ما وراء الطبيعة.
ـ التحليل المبدئى للظاهرة دى، هو الهروب المنظم من الواقع. الشباب الذى لايزال يقرأ يهرب فى الروايات، والذين هجروا أو لم يعتادوا القراءة من الأصل يمارسون فعل الهروب بوسائل أخرى، لكنهم اجتمعوا على الانفلات من الواقع إلى عوالم أخرى ربما هى أقرب إليهم بصورة أو بأخرى.
للحوار بقية ستدور بينى وبين (د. هانى نسيرة) ربما تليفونيًا فى وقت لاحق، فما سبق كان طبق الأصل لرسائل نصية دارت بينى وبينه على صندوق بريد الفيس بوك أمس، ود. هانى كاتب وباحث مصرى مرموق مقيم ويعمل فى دولة الإمارات وله العديد من الكتب فى أجنحة مختلفة بالمعرض، ويكتب مقالات أسبوعية فى العديد من الصحف العربية والمصرية تتعلق بقضايا الإرهاب والتطرف والأنشطة المسلحة، يشتبك فى معظمها مع أفكار ومعتقدات تلك التنظيمات وله أطروحات قيمة وثرية فى هذا الإطار. لذلك جاء تناول هذا الحديث الذى دار معه، خاصة والكثير منه يتداوله الناشرون والقريبون من المنظومة فى جنبات المعرض، ليسكن الجميع درجات متنوعة من القلق والدهشة من حجم تنامى الظاهرة لاسيما وهى صاحبة الصوت الأعلى هذا العام.
بالرغم من اتفاقى إلى حد كبير مع تفسير د. هانى نسيرة فى ترجمة ذلك إلى هروب الشباب من الواقع، إلا أن هذا فتح بداخلى أبوابًا من الأسئلة تتعلق بهذا الواقع وبامتدادات هذا التفسير، فهؤلاء الشباب هم من كانوا منذ أعوام قليلة مضت ملء السمع والأبصار ويلفهم حماسة الإقدام على المستقبل، فكيف لهم هذا الجنوح السريع إلى الانكفاء الداخلى. وهذا ظاهر فى نموذج معرض الكتاب وغيره مما يدل على ذات العرض، الذى لا يستدعى القلق أو الدهشة بقدر ما يدعو إلى خوف حقيقى، فهؤلاء هم من سيكون بأياديهم مستقبل هذا الوطن، وستمر أعمارهم بأسرع مما نتصور ليصلوا إلى تلك المحطة، من دون أن يقدم لهم أحد إجابات عن أسئلتهم أو يبذل جهدًا حقيقيًا للعمل على صقلهم وتسليحهم بما يلزمهم لهذا المستقبل. ففى الوقت الذى نتحدث نحن فيه عن حرب الأفكار والتطرف وغزو الوعى الجمعى والفردى، تغيب الآليات الفاعلة لمجابهة ذلك الخطر وهى من المهام التى مازالت معلقة حتى الآن. فنحن لم نتقاعس فقط عن تقديم إجابات شافية لهؤلاء الشباب، بل لم نجب عن سؤال يخصنا نحن، له علاقة بمن سيتصدى لتلك المهمة: أهو المدرسة أم أمير التنظيم ؟