السيسى.. وتجديد الدعوة للتنقية والتأويل «3-3»
دعا ابن رشد إلى أهمية أن يكون العقل هو المرجع للنصوص الدينية، وهذا معناه أننا بفلسفة ابن رشد ومنهجه مواطنون أحرار ولسنا قطعاناً تخاف وتطيع وتسمع للأصوليين الدينيين المتطرفين لأن الاحتكام إلى العقل يحرر المؤمنين من سلطة رجال الدين، ولذلك وقف رجال الدين من العقل موقف العداء الصريح وشككوا فى قدراته واعتبروه خطراً يهدد الإيمان، كما اعتبره الحكام خطراً على الدولة، لأن الاعتراف بمرجعية العقل اعتراف بمرجعية أصحابه، ومن ثم ينتفى المبدأ الذى يقوم عليه الطغيان، وهو عجز الرعية وحاجتها الدائمة إلى راع أو أب أو مستبد عادل يفكر لها ويختار بالنيابة عنها ويفرض عليها ما يراه وما يختاره، وبهذا الحلف الذى انعقد بين أمراء الأندلس وفقهائه سقط منهج ابن رشد، واتهم صاحبه بالكفر والزندقة، وأحرقت كتبه فى قرطبة، ونفى ابن رشد إلى قرية من القرى التى كان يسكنها يهود الأندلس تعبيراً عن أنه لم يعد مسلماً ولم يعد يستحق أن يعيش مع المسلمين!!
وبسقوط منهج ابن رشد سقط العقل العربى وفقد ثقته فى نفسه، واستسلم للنقل والتقليد والطغيان، ولم تمض على هذه المحنة التى دخلها ابن رشد إلا ثلاثة قرون انتهت بسقوط الأندلس كله من أقصاه إلى أقصاه ورحيل العرب والمسلمين والإسلام عنه، فى الوقت الذى كان فيه المثقفون الأوروبيون فى إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا يكتشفون ابن رشد، ويترجمون مؤلفاته إلى العبرية واللاتينية، ويتأثرون بها، ويتحررون من سلطة الكنيسة ويحتكمون للعقل فى فهمهم للإنجيل، ويستعيدون علاقتهم بالفلسفة والمنطق، ويخرجون بالتالى من عصور الظلام إلى عصر النهضة الذى انتقلوا منه إلى عصر الاستنارة الذى انتهى بهم إلى هذا العصر الحديث، عصر الديمقراطية والعلم وحقوق الإنسان.
ومن هنا فلاحل ولا ملاذ إلا فى إحياء التراث العقلانى الذى دعا إليه ابن رشد، حيث إنه هو الحل فى مواجهة الأصولية الدينية، إذاٍ العلاج الرئيسى يكمن فى تأويل النصوص وإعمال العقل، فهل من مجيب لدعوة الرئيس قبل أن يقضى الأصوليون على الأخضر واليابس؟!
■ راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف - شبرا