المـــــــــــــرأة فى عيدها
أقول إننا نحتفل بتكريم «المرأة» بشكل يختلف تمامًا عن تلك الاحتفاليات الرنانة فى بلاد الغرب التى تحتكر جهد العاملات الفقيرات وتتباهى بأنها تقوم بتكريم المرأة وهم يعملون على احتكارها واحتقارها وليس تكريمها
هل نحن كنا فى انتظار أن تعلن بعض المنظمات العالمية عن تخصيص يوم للاحتفال بـ«المرأة» حتى نحذو حذوها وننهج نهجها، لنعلن عن يوم احتفالية عالمية لها ؟ ألم يكن من الأجدر بنا أن نكون أول من ينادى بهذا التكريم والاحتفال، وتاريخنا المصرى والعربى حافل بالنساء الفضليات على مر تاريخنا والجديرات بالاحتفاء والاحتفال بهن، سواء من تاريخنا الدينى والعقائدى أو تاريخنا المجتمعى، ووجود العشرات من السيدات المؤثرات الفاعلات فى صنع إنجازات حضارية على كل المستويات.. يستوى فى هذا المستويات العلمية والأدبية والثقافية وحتى ممن هنَّ لم يحصلن على أدنى قدر من التعليم، ولكنهن مثقفات ـ بالفطرة ـ وقمن بتربية أجيال متعاقبة من العلماء والفنانين والشعراء والرسامين والسياسيين .. بل ولا أبالغ إذا قلت إن منهن من قمن بتربية الأنبياء والمرسلين، الذين تركوا البصمة الفارقة فى تاريخ البشرية والإنسانية جمعاء إلى يومنا هذا.
إن خروج آلاف النساء فى نيويورك فى العام 1856 للاحتجاج على أوضاع العاملات فى منشآت الرأسماليين وظروف العمل التى كن يجبرن على العمل تحتها ومواجهة الشرطة لهن بطريقة وحشية، واتخاذ تلك المناسبة ذريعة لوجوب إنشاء هذا الاحتفال للمرأة، فإن تلك المناسبة لم تكن إلا لرفع الظلم الذى كان يمارسه أصحاب العمل إزاء العاملات اللائى لا يحصلن على جزء مجز ٍ من فائض القيمة التى يلتهمها أصحاب الأعمال، ولكننا نحتفل بالمرأة بشكل يختلف تمامًا عن تلك الاحتفاليات الغربية التى استقرت بأمريكا فى العام 1908 بعد احتجاج عاملات مصانع الغزل والنسيج فى المظاهرات التى عُرفت باسم مظاهرات «الخبز والورد»، وذلك حين حملن قطعًا من الخبز اليابس والورود مطالبات بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع والاندماج فى الحياة السياسية .. والغريب أن الأمم المتحدة بمنظماتها لم تعترف بإقرار هذا اليوم العالمى لتكريم المرأة إلا فى العام 1977، ولكن ليس هذا هو هدفى من الإشارة إلى ذلك الاحتفال الذى صنعته الرأسمالية لتخفيف الضغط على الجشع الذى يمارسونه ضد المرأة العاملة .
أقول إننا نحتفل بتكريم «المرأة» بشكل يختلف تمامًا عن تلك الاحتفاليات الرنانة فى بلاد الغرب التى تحتكر جهد العاملات الفقيرات وتتباهى بأنها تقوم بتكريم المرأة وهم يعملون على احتكارها واحتقارها وليس تكريمها.. فاحتفالنا بالمرأة فى الشرق العربى يقوم على تكريم «القيمة» و«الرمز».. نقوم بتكريم السيدة «هاجر» التى فجَّر الله لها ينابيع الماء فى جلمود الصخر .. لتبقى معجزة الله فى الأرض تكريمًا لسعيها بين الصفا والمروة لإنقاذ وليدها، وجاء القرآن الكريم بكل الجلال والتقدير لتكريم السيدة «مريم العذراء» ليصطفيها ويفضلها ويصطفيها على نساء العالمين، أى قبل أن يستفيق العالم الغربى ليعطى الاهتمام بالمرأة ودورها الفاعل فى الحياة .
فلننظر إلى المرأة ودورها القوى فى المجتمع المصرى منذ أقدم العصور، وكيف اهتم الفنان المصرى بتخليد هذا الدور بنقشه بإزميله على جدران المعابد، فقام بتجسيد دورها فى الحقول وجمع المحاصيل وتقدمها صفوف الجنود فى الحروب والمعارك ودورها فى تجهيز النبال والسهام والدروع، وتقوم بالتطبيب للجرحى وتوفير كل مستلزمات الرجال الذين يذهبون إلى ساحات القتالللدفاع عن الوطن، فهل نستطيع أن نغفل هذا الدور ونغمض العيون عنه؟
ولعل الحديث عن النهوض بالمجتمع فى جميع مجالاته، والتركيز على دور المرأة وإسهاماتها فى المنظومة الاقتصادية بدءًا من ميزانية البيت والأسرة، والمناداة بمشاركتها بفاعلية فى الحياة السياسية والنيابية والقضائية؛ لا ينسينا دور الأمومة الذى تضطلع به فى أحلك الظروف وأصعبها؛ وبصرف النظر عن موقعها فى السلم الاجتماعى، وتستوى فى مواقف الأمومة المقدسة كل من الفلاحة فى الحقل، والطبيبة والمعلمة وكل المهن التى تخدم البشر فى كل مجتمع من المجتمعات البشرية، ولعل هذا الدور العظيم يكفيها شرفًا ورقيًا؛ ويجعلها تاجًا منيرًا يزين رأس الإنسانية منذ بدء الخليقة.
ولكن .. هل يقتصر الاحتفاء والاحتفال بالمرأة على هذه المهرجانات التى تنتهى بانتهاء ساعات يوم الاحتفالية؟ يجب أن تعمل الدولة جاهدة على استصدار القوانين التى تعطى كل الحقوق الواجبة للمرأة، بإعادة النظر فى المناهج التعليمية باستبعاد كل المقررات التى تدعو إلى «دونية» المرأة وعدم مساواتها بالرجال فى حق العمل والاقتراع وإفساح المجال لها فى العمل السياسى المجتمعى، لأنها الأجدر والأعرف بمشاكل الأسرة والتربية للجيل الجديد .. خاصة ونحن مقبلون على مرحلة نتطلع فيها إلى العودة بالوطن إلى الريادة فى ظل القيادة الرشيدة التى تمسك الآن بزمام الأمور وتتطلع إلى الغد الأجمل لكل المجتمع المصرى.. الذى لن يتقدم إلا بإعطاء الحقوق الكاملة للمرأة التى تقوم بالتوجيه للجيل الجديد الذى سيتولى الإمساك بعجلة القيادة نحو المستقبل المشرق الذى نتمناه جميعًا، ولتصبح «المرأة» بحق: سيدة مصر الأولى!
■ أستاذ العلوم اللغوية ـ أكاديمية الفنون